(45) شرح إعراب سورة الجاثية
  آخرين قالوا: لا تضارّون بتشديد الراء ولا تضامّون بتشديد الميم مع ضم التاء. قال: وقال بعضهم بفتح التاء وبتشديد الراء والميم على معنى تتضارّون وتتضامّون. وتفسير هذا أنّه لا يضارّ بعضكم بعضا أي لا يخالف بعضكم بعضا في ذلك. يقال: ضاررت الرجل أضارّه مضارّة وضرارا إذا خالفته. ومعنى لا تضامّون في رؤيته، لا ينضمّ بعضكم إلى بعض فيقول واحد للآخر أرينه، كما يفعلون عند النظر إلى الهلال.
  {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٢٩}
  {هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ} «ينطق» في موضع نصب على الحال، ويجوز أن يكون في موضع رفع على خبر هذا و «كتابنا» بدل من هذا.
  {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ٣٠}
  {الَّذِينَ} في موضع رفع بالابتداء وخبره {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ}.
  {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ ٣١}
  {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا الَّذِينَ} في موضع رفع أيضا، وحذف القول كما يحذف في كلام العرب كثيرا، فلما حذف حذفت الفاء معه لأنها تابعة له {فَاسْتَكْبَرْتُمْ} الاستكبار في اللغة الأنفة من اتّباع الحقّ وقد بيّن الله جلّ وعزّ على لسان رسوله ﷺ حين سئل ما الكبر؟ كما قرئ على إسحاق بن إبراهيم بن يونس عن محمد بن المثنى عن عبد الوهاب عن هشام عن محمد عن أبي هريرة «أنّ رجلا أتى النبيّ ﷺ وكان رجلا جميلا فقال: يا رسول الله حبّب إليّ الجمال وأعطيت منه ما ترى حتّى ما أحبّ أن يفوقني أحد. إما قال: بشراك نعل وإمّا قال: بشسع أفمن الكبر ذلك؟ قال: لا ولكن الكبر من بطر الحقّ وغمص الناس»(١) قال إسحاق: وحدّثنا الوليد بن شجاع قال: حدّثنا عطاء بن مسلم الخفّاف عن محمد عن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ قال: «يحشر المتكبّرون - أحسبه قال - في صور الذرّ»؟(٢) قال إسحاق: وحدّثنا محمد بن بكار قال: حدّثنا إسماعيل - يعني ابن عليّة - عن عطاء بن السائب عن الأغرّ عن أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: «قال جلّ وعزّ: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم»(٣).
(١) أخرجه أبو داود في سننه الحديث رقم ٤٠٩٢، وذكره الحاكم في المستدرك ٤/ ١٨١، ١٨٢.
(٢) ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١/ ٣٠٩، و ١٠/ ٤٥٣، والتبريزي في مشكاة المصابيح ٥١١٢، والعجلوني في كشف الخفاء ٢/ ٥٥١.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ٢/ ٣٧٦، وذكره الحاكم في المستدرك ١/ ٦١، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٨/ ٣٣٦، والبخاري في الأدب المفرد ٢٥٣، والألباني في السلسلة الصحيحة ٤٥٠، وأبو حنيفة في جامع المسانيد ١/ ٨٨، والعجلوني في كشف الخفاء ٢/ ١٥١.