إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(51) شرح إعراب سورة الذاريات

صفحة 167 - الجزء 4

  {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٤٩}

  {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ} قيل: التقدير ومن كلّ شيء خلقنا خلقنا زوجين. قال مجاهد: في الزوجين: الشقاء والسعادة والهدى والضلالة والإيمان والكفر. وقال ابن زيد: الزوجان: الذكر والأنثى. وجمعهما الفراء⁣(⁣١) فقال: الزوجان والحيوان الذكر والأنثى ومن غيرهم الحلو والحامض وما أشبه ذلك. {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي فتعتبرون وتعلمون أنّ العبادة لا تصلح إلا لمن خلق هذه الأشياء.

  {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ٥٠}

  {فَفِرُّوا إِلَى اللهِ} أي إلى طاعته ورحمته من معصيته وعقابه {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي مخوف عقابه من عصاه.

  {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ٥١}

  {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} أي معبودا آخر إذا كانت العبادة لا تصلح إلّا له {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي أخوف من عبد غيره عذابه وجاء {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} مرتين، وليس بتكرير؛ لأنه خوّف في الثاني من عبد غير الله جلّ وعزّ وفي الأول من لم يفرّ إلى طاعة الله ورحمته فهذا قد يكون للموحدين.

  {كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ٥٢}

  تكون الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى كذلك فعل الذين من قبل قريش ما أتاهم من رسول إلّا قالوا له هذا.

  {أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ ٥٣}

  {أَتَواصَوْا بِهِ} أي هل أوصى بعضهم بعضا بهذا {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ} المعنى: لم يتواصوا به بل هم قوم طغوا واعتدوا فخالفوا أمر الله جلّ وعزّ ونهيه.

  {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ ٥٤}

  {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} قال مجاهد: أي أعرض والتقدير: أعرض عنهم حتّى يأتيك أمرنا فيهم فأتاه الأمر بقتالهم. {فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ} أي لا تلحقك لائمة من ربّك جلّ وعزّ في تفريط كان منك في إنذارهم فقد أنذرتهم وبلّغتهم.


(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٨٩.