إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(57) شرح إعراب سورة الحديد

صفحة 235 - الجزء 4

  أن لا تنفقوا في سبيل الله {وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فحضّهم بهذا على الإنفاق؛ لأنهم يموتون ويخلّفون ما بخلوا به ويورّثونه. {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ} اختلف العلماء في معنى هذا الفتح فقال قتادة: الذين أنفقوا من أصحاب رسول الله قبل فتح مكة وقاتلوا، أفضل من الذين أنفقوا من بعد فتح مكة وقاتلوا، وكذا قال زيد بن أسلم، وقال الشّعبي: الذين أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد فتح الحديبية وقاتلوا. قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب؛ لأن عطاء بن يسار روى عن أبي سعيد الخدري قال: قال لنا رسول الله يوم فتح الحديبية: «يأتون أقوام تحقرون أعمالكم مع أعمالهم» قلنا: يا رسول الله أمن قريش هم؟ قال: «لا هم أهل اليمن أرقّ أفئدة وألين قلوبا». قلنا: يا رسول الله أهم خير منا؟ قال «لا لو أنّ لأحدهم جبل ذهب ثم أنفقه ما بلغ مدّ أحدكم ولا نصيفه. هذا فضل ما بعيننا وبين الناس»⁣(⁣١) {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. حكى أبو حاتم وكلّ وعد الله الحسنى⁣(⁣٢) بالرفع. قال أبو جعفر: وقد أجاز سيبويه مثل هذا على إضمار الهاء، وأنشد: [المتقارب]

  ٤٦٤ - فثوب نسيت وثوب أجرّ⁣(⁣٣)

  وأبو العباس محمد بن يزيد لا يجيز هذا في منثور ولا منظوم إلّا أن يكون يجوز فيه غير ما قدّره سيبويه، وهو أن يكون الفعل نعتا فيكون التقدير: فثمّ ثوب نسيت فعلى هذا لا يجوز في ثوب إلّا الرفع، ولا يجيز زيد ضربت؛ لأنه ليس فيه شيء من هذا فيكون كلّ بمعنى وأولئك كلّ وعد الله فيكون نعتا. {وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} مبتدأ وخبره أي من إنفاق وبخل حتّى يجازيكم عليه.

  {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ١١}

  {مَنْ} في موضع رفع بالابتداء و {ذَا} خبره و {الَّذِي} نعت لذا وفيه قولان آخران: أحدهما أن يكون «ذا» زائدا مع الذي، والقول الآخر أن يكون «ذا» زائدا مع


(١) انظر المعجم المفهرس لونسنك ١/ ٤٨٧.

(٢) انظر تيسير الداني ١٦٩.

(٣) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥٩، والكتاب ١/ ١٣٩، والأشباه والنظائر ٣/ ١١٠، وخزانة الأدب ١/ ٣٧٣، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٦٦، والمقاصد النحوية ١/ ٥٤٥، وبلا نسبة في المحتسب ٢/ ١٢٤، ومغني اللبيب ٢/ ٤٧٢، وصدره:

«فأقبلت زحفا على الرّكبتين»