(57) شرح إعراب سورة الحديد
  {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} «ما» كافة لأنّ عن العمل ولو جعلتها صلة لنصبت الحياة والدنيا من نعتها، {لَعِبٌ} خبر، والمعنى: مثل لعب أي يفرح الإنسان بحياته فيها كما يفرح باللعب ثم تزول حياته كما يزول لعبه وزينته وما يفاخر به الناس ويباهيهم به من كثرة الأموال والأولاد {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ}. قال أبو إسحاق: الكاف في موضع رفع على أنها نعت أي وتفاخر مثل غيث قال: ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر. والكفّار الزرّاع. وإذا أعجب الزراع كان على نهاية من الحسن. قال: ويجوز أن يكونوا الكفار بأعيانهم، لأن الدنيا للكفار أشدّ إعجابا؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث قال: و «يهيج» يبتدئ في الصفرة {ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً} قال: متحطّما. فضرب الله جلّ وعزّ هذا مثلا للحياة الدنيا وزوالها ثمّ خبر جلّ وعزّ بما في الآخرة فقال: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ} قال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ قال: «لموضع سوط في الجنّة خير من الدنيا وما فيها فاقرؤوا إن شئتم»: {وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ}(١).
  {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢١}
  {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} أي سابقوا بالأعمال التي توجب المغفرة إلى مغفرة من ربكم {وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} قال أبو جعفر: قد تكلّم قوم من العلماء في معنى هذا فمنهم من قال: العرض هاهنا السعة ومنهم من قال: هو مثل الليل والنهار إذا ذهبا فالله جلّ وعزّ أعلم أين يذهبان، وأجاب بهذا عمر بن الخطاب ¥، ومنهم من قال: هذه هي الجنة التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة، والسماء مؤنثة ذكر ذلك الخليل | وغيره من النحويين سوى الفرّاء وبذلك جاء القرآن {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ}[الانشقاق: ١] و {إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ}[الانفطار: ١] وحكى الفرّاء أنها تؤنّث وتذكّر، وأنشد: [الوافر]
  ٤٦٦ - فلو رفع السّماء إليه قوما ... لحقنا بالسّماء مع السّحاب(٢)
  وهذا البيت لو كان حجّة لحمل على غير هذا، وهو أن يكون يحمل على تذكير
(١) أخرجه أحمد في مسنده ٣/ ٤٣٣، والدارمي في سننه ٢/ ٣٣٣، والسيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٠٧، وابن كثير في تفسير ٢/ ٢٥٥.
(٢) الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (سما)، والمذكر والمؤنث للأنباري ص ٣٦٧، والمذكر والمؤنث للفراء ص ١٠٢، والمخصص ١٧/ ٢٢.