إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(60) شرح إعراب سورة الممتحنة

صفحة 273 - الجزء 4

  تكره إلى ما تحبّ {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} أي مصيرنا ومصير الخلق يوم القيامة.

  {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٥}

  {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: تقول: لا تسلّطهم علينا فيفتنونا {وَاغْفِرْ لَنا} ولا يجوز إدغام الراء في اللام لئلا يذهب تكرير الراء. {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} في انتقامك ممن انتقمت منه {الْحَكِيمُ} في تدبير عبادك.

  {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ٦}

  {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ولم يقل: كانت لأن التأنيث غير حقيقي معناه التأسي {لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ} أي ثوابه {وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} أي نجاته {وَمَنْ يَتَوَلَ} جزم بالشرط فلذلك حذفت منه الياء، والجواب {فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.

  {عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٧}

  {أَنْ يَجْعَلَ} ومن العرب من يحذف «أن» بعد «عسى» قال ابن زيد: ففتحت مكة فكانت المودة بإسلامهم {وَاللهُ قَدِيرٌ} أي على أن يجعل بينكم وبينهم مودة. {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي لمن اتخذهم أولياء وألقى إليهم بالمودة إذا تاب رحيم به لمن يعذبه بعد التوبة. والرحمة من الله جلّ وعزّ قبول العمل والإثابة عليه.

  {لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٨}

  قال أبو جعفر: قد ذكرناه. وليس لقول من قال: إنها منسوخة معنى: لأن البرّ في اللغة إنما هو لين الكلام والمواساة، وليس هذا محظورا أن يفعله أحد بكافر. وكذا الإقساط إنما هو العدل والمكافأة بالحسن عن الحسن. ألا ترى أن بعده {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وأن في موضع خفض على البدل من {الَّذِينَ} ويجوز أن يكون في موضع نصب أي لا ينهاكم كراهة هذا.

  {إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٩}

  {أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} والأصل تتولّوهم. {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ} أي ينصرهم ويودّهم {فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي الذين جعلوا المودة في غير موضعها. والظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه.