(66) شرح إعراب سورة التحريم
  {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ٣}
  {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} وحذف المفعول أي نبّأت به صاحبتها، وهما عائشة وحفصة لا اختلاف في ذلك، واختلفوا في الذي أسرّه إليها فقيل: هو الذي خبّرها به من شربه العسل عند بعض أزواجه، وقيل: هو ما كان بينه وبين أم إبراهيم، وقيل: هو إخباره إياها بأن أبا بكر الخليفة بعده؛ وقد ذكرناه بإسناده. {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} وحذف المفعول أيضا عرّفها بعضه فقال: قد عرفت كذا بالوحي {وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} فلم يذكره تكرّما واستحياء، وقراءة الكسائي عرف بعضه(١) وردّها أبو عبيد ردا شنيعا، قال: لو كان كذا لكان عرف بعضه وأنكر بعضا. قال أبو جعفر: وهذا الردّ لا يلزم، والقراءة معروفة عن جماعة منهم أبو عبد الرحمن السلمي. وقد بيّنّا صحّتها. {فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا} نبّأ وأنبأ بمعنى واحد فجاء باللغتين جميعا وبعده {قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.
  {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ٤}
  {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} أي مالت إلى محبة ما كرهه النبيّ ﷺ من تحريمه ما أحلّ له. {وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ} والأصل تتظاهرا أدغمت التاء في الظاء، وقرأ الكوفيون تظاهرا(٢) بحذف التاء، {فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ} أي وليه بالنصرة. {وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} واختلفوا في صالح المؤمنين فمن أصحّ ما قيل فيه: إنه لكل صالح من المؤمنين، ولا يخصّ به واحد إلّا بتوقيف، وقد روي أنه يراد به عمر بن الخطّاب ¥، وهو كان الداخل في هذه القصة المتكلّم فيها، ونزل القرآن ببعض ما قاله في هذه القصة، وقيل: هو أبو بكر وعمر ®، وقيل: هو علي بن أبي طالب ¥. وقد ذكرنا ذلك بإسناده. ومذهب الفرّاء القول الذي بدأنا به قبله واحد يدلّ على جميع، وكذا {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ} يكون ظهير يؤدّي عن الجمع وقد ذكرنا فيه غير هذا.
  {عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً ٥}
(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٦٤٠، وتيسير الداني ١٧٢ («عرف» قرأ الكسائي بتخفيف الراء والباقون بتشديدها).
(٢) انظر تيسير الداني ١٧٢.