إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(68) شرح إعراب سورة ن (القلم)

صفحة 5 - الجزء 5

  {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤}

  روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قال: على دين. قال أبو جعفر: فيكون هذا مثل قوله : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا»⁣(⁣١) أي أحسنهم دينا وطريقة ومذهبا وطاعة. وسئلت عائشة ^ ما الخلق العظيم الذي كان عليه؟ قالت: القرآن، وقيل: هو ما كان فيه من البشاشة والسعي في قضاء حاجات الناس وإكرامهم والرفق بهم.

  {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ٥ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ٦}

  {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} أي يوم القيامة. قال محمد بن يزيد: سألت أبا عثمان المازني عن هذا فقال: هذا التمام. وقال الأخفش: المعنى: فستبصر ويبصرون بأيكم الفتنة. وقال محمد بن يزيد: التقدير: بأيّكم فتنة المفتون. وقال الفراء⁣(⁣٢): الباء بمعنى «في». قال أبو جعفر: فهذه أقوال النحويين مجموعة. ونذكر أقوال أهل التأويل. روى سفيان عن خصيف عن مجاهد {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} قال: بأيّكم المجنون. وقال الحسن والضحاك: بأيّكم الجنون، وقول قتادة: أيّكم أولى بالشيطان. فهذه ثلاثة أقوال لأهل التأويل. فقول مجاهد تكون الباء فيه بمعنى «في» كما يقال: فلان بمكة وفي مكة والمعنى عليه فستعلم وسيعلمون في أي الفريقين المجنون الذي لا يتّبع الحقّ أفي فريقك أم في فريقهم. وعلى قول⁣(⁣٣) الحسن والضحاك فستعلم وسيعلمون بأيكم الفتنة. والمفتون بمعنى الفتنة والفتون، كما يقال: ليس له معقول ولا معقود رأي. قال أبو جعفر: وهذا من أحسن ما قيل فيه، وقول قتادة أن الباء زائدة.

  {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ٧}

  أي هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله من كفار قريش. {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} بك وبمن اتّبعك.

  {فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ٨ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ٩}

  معطوف، وليس بجواب ولو كان جوابا حذفت منه النون. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} قال يقول: لو ترخّص لهم فيرخّصون. والمعنى


(١) أخرجه أبو داود في سننه رقم (٤٦٨٢)، وأحمد في مسنده ٢/ ٢٥٠، وذكره الحاكم في المستدرك ١/ ٣، والهيثمي في مجمع الزوائد ٤/ ٣٠٣، وابن حجر في المطالب العالية (٢٥٤١)، وأبو نعيم في الحلية ٩/ ٢٤٨، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٣٢٦٤).

(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ١٧٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٨/ ٣٠٣.