(5) شرح إعراب سورة المائدة
  بالابتداء، ويكون التقدير: إلّا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم. {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ} لهم. {غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ٣٥}
  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}.
  أي بترك المعاصي والجهاد.
  {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٣٨}
  {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} رفع بالابتداء، والخبر {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} وعند سيبويه(١) الخبر محذوف والتقدير عنده: وفيما فرض عليكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، والرفع عند الكوفيين بالعائد، وقرأ عيسى بن عمر {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ}(٢) نصبا وهو اختيار سيبويه. قال(٣): إلا أن العامة أبت إلّا الرفع، يريد بالعامة الجماعة ونصبه بإضمار فعل أي: اقطعوا السارق والسارقة وإنما اختار النصب لأن الأمر بالفعل أولى. وقد خولف سيبويه في هذا فزعم الفراء(٤): أن الرفع أولى لأنه ليس يقصد به إلى سارق بعينه فنصب وإنما المعنى كلّ من سرق فاقطعوا يده. وهذا قول حسن غير مدفوع. يدلّ عليه أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا {وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما}[النساء: ١٦] وهذا مذهب محمد ابن يزيد، فأما {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} ولم يقل فيه: يديهما فقد تكلّم فيه النحويون فقال الخليل: أرادوا أن يفرّقوا بين ما في الإنسان منه واحد وما فيه اثنان فقال: أشبعت بطونها. و {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما}[التحريم: ٤]، وقال الفراء: لما كان أكثر ما في الإنسان من الجوارح اثنين حملوا الأقل على الأكثر، وقال غيرهما: فعل هذا لأن التثنية جمع، وقيل: لأنه لا يشكل، وأجاز النحويون التثنية على الأصل والتوحيد لأنه يعرف، وأجاز سيبويه جمع غير هذا، وحكى: وصغار حالهما يريد رحلي راحلتين. {جَزاءً بِما كَسَبا} مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرا، وكذا {نَكالاً مِنَ اللهِ}.
  {فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣٩}
  {فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} شرط وجوابه {فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}.
(١) انظر الكتاب ١/ ١٩٦.
(٢) وهذه قراءة ابن أبي عبلة أيضا. انظر معجم القراءات القرآنية ٢/ ٢٠٨ وتفسير القرطبي ٦/ ١١٦، والكشاف ١/ ٣٧٧، والبحر المحيط ٣/ ٤٨٩.
(٣) انظر الكتاب ١/ ١٩٧.
(٤) انظر معاني الفراء ١/ ٣٠٦.