إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(9) شرح إعراب سورة براءة

صفحة 136 - الجزء 2

  {التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ١١٢}

  {التَّائِبُونَ} رفع على إضمار مبتدأ عند أكثر النحويين أي هم التائبون وفيه قولان سوى هذا: قال أبو إسحاق يجوز أن يكون بدلا أي يقال التائبون، قال: ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء قال: وهو أحسن عندي، ويكون التقدير التائبون لهم الجنة وفي قراءة عبد الله التائبين العابدين الحامدين⁣(⁣١) وفيه تقديران يكون نعتا للمؤمنين في موضع خفض ويكون منصوبا على المدح.

  {وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ١١٤}

  {وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ} اسم كان، والخبر {إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ} والموعدة عند العلماء كانت من أبي إبراهيم لإبراهيم #. قال أبو إسحاق: يروى أنّه وعده أنّه يسلم فاستغفر له، وقال غيره: لا يجوز أن يكون استغفر له إلّا وقد أسلم ولكنّه وعده أنّه يظهر إسلامه فاستغفر له فلمّا لم يظهره تبيّن له أنّه عدوّ لله فتبرّأ منه. قال أبو إسحاق: لما أقام على الكفر تبيّن له أنه عدو لله، وروى سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: فلمّا تبيّن له أنه عدوّ لله، قال مات كافرا. {إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} اسم أنّ وخبرها.

  {لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ١١٧}

  {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} في موضع خفض على النعت للمهاجرين والأنصار، {مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ} سيبويه⁣(⁣٢) يجوز أن ترفع القلوب بتزيغ ويضمر في كاد الحديث، وإن شئت رفعتها بكاد، ويكون التقدير من بعد ما كان قلوب فريق منهم تزيغ، وزعم أبو حاتم أنّ من قرأ «يزيغ»⁣(⁣٣) بالياء فلا يجوز له أن يرفع القلوب بكاد. قال أبو جعفر: والذي لم يجزه جائز عند غيره على تذكير الجميع. حكى الفراء: رحبت البلاد وأرحبت، ورحبت لغة أهل الحجاز.


(١) انظر معاني الفراء ١/ ٤٥٣، والبحر المحيط ٥/ ١٠٦.

(٢) انظر الكتاب ١/ ١١٩.

(٣) هذه قراءة حمزة وحفص، انظر البحر المحيط ٥/ ١١١، وتيسير الداني ٩٨.