إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(18) شرح إعراب سورة الكهف

صفحة 290 - الجزء 2

  {ثُمَّ بَعَثْناهُمْ} أي أيقظناهم من نومهم لنعلم. {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى} وقد علم الله ذلك فمن أحسن ما قيل فيه أن معناه التوقيف، كما تقول لمن أتى بباطل: هات برهانك وبينه حتّى أعلم أنك صادق، وقيل هذا علم الشهادة. والحزبان أصحاب الكهف، والقوم الذين كانوا أحياء في وقت بعث أصحاب الكهف و {أَيُ} مبتدأ و {أَحْصى} خبره. {أَمَداً} منصوب عند الفراء⁣(⁣١) من جهتين: إحداهما التفسير، والأخرى بلبثهم أي بلبثهم أمدا. قال أبو جعفر: والجهة الأولى أولى؛ لأن المعنى: عليها، فإن قال قائل: كيف جاز التفريق بين أحصى وأمدا؟ وقولك: مرّ بنا عشرون اليوم رجلا قبيح، فالجواب أنّ هذا أقوى من عشرين لأن فيه معنى الفعل.

  {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ١٣}

  الْفِتْيَةُ جمع فتى في أقل العدد، ولا يقاس عليه والكثير فتيان.

  {وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً ١٤}

  {وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ} أي شددناها حتّى قالوا بين يدي الكفار {رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً} مصدر، وحقيقته قول شطط، ويجوز أن يكون مفعولا للقول.

  {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً ١٦}

  {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} والتقدير: اذكروا إذا اعتزلتموهم. هذا قول بعض الفتية لبعض {وَما يَعْبُدُونَ} في موضع نصب أي واعتزلتم ما يعبدون فلم يعبدوه {إِلَّا اللهَ} استثناء {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ} جواب الأمر {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} زعم الأصمعي أنه لا يعرف في كلام العرب إلّا مرفقا بكسر الميم في الأمر وفي اليد وفي كل شيء. وزعم الكسائي والفراء⁣(⁣٢) أن اللغة الفصيحة كسر الميم، وأن الفتح جائز. قال الفراء: وكأنّ الذين فتحوا أرادوا أن يفرقوا بينه وبين مرفق الإنسان، وقد يفتحان جميعا. فزعم الأخفش سعيد أنّ فيه ثلاث لغات جيدة مرفق ومرفق ومرفق. فمن قال: مرفق جعله مما ينتقل ويعمل به، مثل مقطع، ومن قال: مرفق جعله كمسجد؛ لأنه من رفق يرفق كسجد يسجد، ومن قال: مرفق جعله بمعنى الرفق.


(١) انظر معاني الفراء ٢/ ١٣٦، والبحر المحيط ٦/ ١٠٠.

(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٣٦.