إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(24) شرح إعراب سورة النور

صفحة 103 - الجزء 3

  {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ} اسم ليس وقد ذكرناه. ومن حسن ما قيل فيه أنه في الجهاد. فأما معنى {وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ} إلى آخر الآية. ففيه ثلاثة أقوال: منها أنه إنما يجوز ذلك بعد الإذن، ومنها أنه قد كان علم أنهم لا يبخلون عليهم بهذا. والقول الثالث أن الآية منسوخة وأنّ هذا كان أول، فلمّا قال رسول الله : «إنّ دماءكم وأموالكم حرام إلّا بإذن، وحرمة مال المسلم كحرمة دمه»⁣(⁣١) فوجب من هذا أنّه لا يحلّ لأحد شيء من مال أحد إلّا بإذن أو ما أجمع عليه المسلمون عند خوفه على هلاك نفسه. وقد قيل: إنّ الآية منسوخة بقوله جلّ وعزّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها}⁣[النور: ٢٧] فإذا كان لا يدخل إلّا بإذن فهو من الطعام أبعد، وقال جلّ وعزّ:

  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ}⁣[الأحزاب: ٥٣] ولو لم يكن في نسخ الآية إلّا الحديث الذي رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبيّ قال: «لا يحتلبنّ أحدكم ماشية أخيه إلّا بإذنه أيحبّ أحدكم أن يؤتى إلى مشربته فتفتح خزانته فيوخذ طعامه لكان كافيا»⁣(⁣٢). وقرأ قتادة مفتاحه⁣(⁣٣)

  وهي لغة ومفتح أكثر في كلام العرب يدلّك على ذلك جمعه على مفاتح. {أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً} نصب على الحال. {تَحِيَّةً} مصدر. قال أبو إسحاق: لأن معنى {فَسَلِّمُوا} فحيّوا، وأجاز الكسائي والفراء رفع تحيّة بمعنى هي تحيّة {مِنْ عِنْدِ اللهِ} لأن الله أمر بها {مُبارَكَةً طَيِّبَةً} لأن سامعها يستطيب سمعها.


(١) أخرجه أبو داود في سننه الحديث (٤٨٨٢)، وابن ماجة الحديث رقم (١٩٣١).

(٢) أخرجه مالك في الموطأ - الاستئذان باب ٦، الحديث رقم (١٧)، والترمذي في سننه - البيوع ٥/ ٢٩٥، وابن ماجة في سننه باب ٦٨ الحديث (٢٣٠٢). والبخاري في صحيحه ٣/ ١٦٥، ومسلم في صحيحه كتاب اللقطة باب (٢) رقم (١٣).

(٣) انظر مختصر ابن خالويه ١٠٣.