(32) شرح إعراب سورة السجدة
  {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وقتادة أو لمن نهد لهم(١) بالنون فهذه قراءة بيّنة. والقراءة الأولى بالياء فيها إشكال لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ليهد فتكلّم النحويون في هذا فقال الفراء(٢): «كم» في موضع رفع بيهد.
  وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم: إنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في كم بوجه أعني ما قبلها. ومذهب أبي العباس أنّ يهد يدلّ على الهدى فالمعنى أو لم يهد لهم الهدى، وقيل: المعنى أو لم يهد الله لهم فيكون معنى الياء ومعنى النون واحدا، وقال أبو إسحاق: كم في موضع نصب بأهلكنا. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ} في موضع نصب بأنّ. {أَفَلا يَسْمَعُونَ} بمعنى أفلا يقبلون مثل: سمع الله لمن حمده.
  {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: هي أرض اليمن، وقال سفيان وحدّثني معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هي أبين(٣)، وقال الحكم بن أبان عن عكرمة «إلى الأرض الجرز» قال:
  هي الظّمأى، وقال جويبر عن الضحاك {إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} قال: الميتة العطشى، وقال الفراء(٤): هي التي لا نبات فيها، وقال الأصمعي: الأرض الجرز التي لا تنبت شيئا. قال محمد بن يزيد: يبعد أن تكون إلّا أرضا بعينها لدخول الألف واللام إلّا أنه يجوز على قول ما قال ابن عباس والضحاك. قال أبو جعفر: الإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه، وهذا إنما هو نعت، والنعت للمعرفة يكون بالألف واللام. وهو مشتق من قولهم: رجل جروز إذا كان لا يبقي شيئا إلّا أكله. وحكى الفراء(٥) وغيره أنه يقال: أرض جرز وجرز وجرز، وكذلك بخل ورعب ورهب في الأربعة أربع لغات {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً} يكون معطوفا على نسوق، أو منقطعا مما قبله {تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ} في موضع نصب على النعت. {وَأَنْفُسُهُمْ} أي ويأكلون منه. والنفس في كلام العرب
(١) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٠٠، ومختصر ابن خالويه ١١٨.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٣.
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٠٠ (وقال ابن عباس: هي أرض أبين من اليمن، وهي أرض تشرب بسيول لا تمطر).
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٣.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٣.