(41) شرح إعراب سورة السجدة (فصلت)
  {يُوزَعُونَ} يدفعون. وقال مجاهد وأبو رزين: {يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على اخرهم. ويروى عن ابن عباس {يُوزَعُونَ}، قال: يحبس أولهم على اخرهم حتّى يتتامّوا فيرمى بهم في النار. قال أبو جعفر: والدليل على هذا الجواب أنّ بعده {حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} وهذا من معجز القرآن لأن فيه حذفا واختصارا قد دلّ عليه المعنى، والمعنى حتّى إذا جاءوا النار وصاروا بحضرتها سئلوا عن كفرهم ومعاصيهم فأنكروها بعد أن شهد عليهم النبيون والمؤمنون. {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} قال الفرّاء(١): الجلد هاهنا الذكر كنّى الله جلّ وعزّ عنه كما كنّى في قوله جلّ وعزّ {وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا}[البقرة: ٢٣٥] أي نكاحا، وقال غيره: هي جلودهم بعينها جعل الله ø فيها ما ينطق فشهدت عليهم، قال جلّ وعزّ: {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} أي ما كنتم تقدرون على أن تستروا معاصيكم عن سمعكم وأبصاركم وجلودكم لأنكم بهن تعملون المعاصي و «أن» في موضع نصب أي من أن.
  {وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ٢٣}
  {وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ} ابتداء وخبر، ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم و {أَرْداكُمْ} خبر ذلكم، وعلى الجواب الأول أرداكم خبر ثان فأما قول الفرّاء: يكون أرداكم في موضع نصب مثل: هذا زيد قائما، فغلط لأن الفعل الماضي لا يكون حالا. قال أبو العباس: أرداكم من الردى وهو الهلاك.
  {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ٢٤}
  {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً} في موضع جزم بالشرط، وجوابه الجملة الفاء وما بعدها، وكذا {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا}.
  {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ ٢٥}
  {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ} عن ابن عباس أن القرناء الشياطين. وهي آية مشكلة فمن الناس من يقول: معنى هذا التحلية للمحنة وقيل: قيضنا لهم قرناء من الشياطين في النار {فَزَيَّنُوا لَهُمْ} أعمالهم في الدنيا. فإن قيل: فكيف يصحّ هذا والفاء تدلّ على أن الثاني بعد الأول؟ قيل: يكون المعنى: قدّرنا عليهم هذا وحكمنا به. ومن أحسن ما قيل في الآية أن المعنى أحوجناهم إلى الإقرار والاقتران فأحوجنا الغنيّ إلى الفقير
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١٦.