إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(41) شرح إعراب سورة السجدة (فصلت)

صفحة 46 - الجزء 4

  العلة⁣(⁣١) فيه. {وَشِفاءٌ} في موضع رفع بالابتداء، والجملة خبره {يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} على التمثيل أي لا يتفهّمون ما يقال لهم والعرب تقول لمن يتّفهم: هو يخاطب من قريب. قال مجاهد: {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} أي بعيد من قلوبهم.

  {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ٤٥}

  {وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ} مفعولان. {فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} «كلمة» مرفوعة بالابتداء عند سيبويه⁣(⁣٢)، والخبر محذوف لا يظهر. وبعض الكوفيين يقول: لولا من الحروف الرافعة. فأما معنى كلمة: فقيل: إنّها تأخير عقوبتهم إلى يوم القيامة وترك أخذهم على المعصية لمّا علم الله ø في ذلك من الصلاح؛ لأنهم لو أخذوا بمعاصيهم في وقت العصيان لانتهوا ولم يكونوا مثابين ولا ممتحنين على ذلك وفي الحديث المسند «لولا أنكم تذنبون لأتى الله بقوم يذنبون فيغفر لهم»⁣(⁣٣) أي أنتم تمتحنون وتؤخّر عقوبتكم لتتوبوا.

  {مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ٤٦}

  {مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ} شرط وجوابه الفاء وما بعدها.

  {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ ٤٧}

  {وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ} هذه قراءة أهل المدينة⁣(⁣٤)، وقراءة أهل الكوفة من ثمرة⁣(⁣٥) وهو اختيار أبي عبيد؛ لأنّ ثمرة تؤدّي عن ثمرات هذا احتجاجه فحمل ذلك على المجاز، والحقيقة أولى وأمضى. فإنه في المصاحف بالتاء. فالقراءة بثمرات أولى. {مِنْ أَكْمامِها} قال محمد بن يزيد: وهو ما يغطيها، قال: والواحد كمّ ومن قال في الجمع: أكمّة قال في الواحد: كمام. {وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي} أي على قولكم {قالُوا آذَنَّاكَ} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس «آذنّاك» يقول أعلمناك. {ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} «من» زائدة للتوكيد أي ما منا شاهد يشهد أنّ معك إلها.

  {وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ٤٨}


(١) مرّ في إعراب الآية ٤٩ - غافر.

(٢) انظر الإنصاف مسألة (١٠).

(٣) أخرجه الترمذي في سننه - صفة الجنة ١٠/ ٤.

(٤) و (٥) انظر تيسير الداني ١٥٧، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٥٧٧.