إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(42) شرح إعراب سورة حم عسق (الشورى)

صفحة 53 - الجزء 4

  كان بالحضرة وذلك لمن تراخى ففي دخول أحدهما على الآخر بطلان البيان وذلك على بابه أي فإلى ذلك الذي تقدّم فادع، {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} جمع هوى مبني على فعل إلّا أنه اعتلّ؛ لأن الياء قلبت ألفا لتحركها وتحرّك ما قبلها فجمع على أصله كما يقال: جمل وأجمال {لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} نصب على التبرئة وقد ذكرنا العلّة فيه. وأجاز سيبويه الرفع فجعل «لا» بمعنى ليس. والمعنى أنه قد تبين الحقّ وأنتم معاندون وإنما تثبت الحجّة على من لم يكن هكذا.

  {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ١٦}

  {وَالَّذِينَ} في موضع رفع بالابتداء و {حُجَّتُهُمْ} ابتداء ثان، {داحِضَةٌ} خبر حجتهم والجملة خبر «الذين»، ويجوز أن تكون حجّتهم بدلا من الذين على بدل الاشتمال وفي المعنى قولان: أحدهما أن المعنى: والذين يحاجّون في الله من بعد ما استجيب للنبيّ فتكون الهاء مكنيّة للنبيّ أي من بعد ما دعا على أهل بدر فاستجيب له ودعا على أهل مكة ومصر بالقحط فاستجيب له ودعا للمستضعفين أن ينجيهم الله ø من قريش فاستجيب له في أشياء غير هذه، والقول الآخر قول مجاهد، قال: الّذين يحاجّون في الله من بعد ما استجيب له قوم من الكفار يجادلون المؤمنين في الله جلّ وعزّ أي في وحدانيته من بعد ما استجاب له المؤمنون فيجادلون، وهم مقيمون على الكفر ينتظرون أن تجيء جاهليته. وهذا القول أولى من الذي قبله بالصواب، وأشبه بنسق الآية لأنه لم يتقدم للنبيّ ذكر فيكنى عنه ولا لدعائه.

  {اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ١٧}

  {اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ} اسم الله جلّ وعزّ مرفوع بالابتداء و {الَّذِي} خبره وليس نعت لأن الخبر لا بدّ منه والنعت يستغنى عنه {أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ} أي ذكر فيه ما يحقّ على الناس أن يعملوه: {وَالْمِيزانَ} عطف على الكتاب أي وأنزل الميزان بالحق {وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} تهديد لهم لأنهم حاجّوا في الله ø من بعد ما استجيب له. وقال قريب والساعة مؤنّثة على النسب، وقيل فرقا بينه وبين القرابة، فأما أبو إسحاق فيقول: لأن التأنيث ليس بحقيقي. والمعنى: لعلّ البعث قريب، وذكر وجها أخر قال: يكون لعلّ مجيء الساعة قريب.

  {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ١٨}