إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(4) شرح إعراب سورة الزخرف

صفحة 71 - الجزء 4

  أنّه لا يزال من ولد إبراهيم موحدون. وقيل: الضمير عائد على إبراهيم أي وجعلها كلمة باقية في عقبه أي عرفهم التوحيد والتبرّؤ من كل معبود دون الله جلّ وعزّ فتوارثوه فصار كلمة باقية في عقبه ويقال: «في عقبه» بحذف الكسرة لأنها ثقيلة.

  {وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ٣١}

  {وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ} على عطف البيان الذي يقوم مقام النعت لهذا، هذا قول سيبويه. وغيره يقول: نعت {عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} نعت لرجل وليس الرجل يكون من القريتين، ولكن حقيقته في العربية على رجل من رجلي القريتين ثم حذف مثل {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف: ٨٢]. فأما قوله جلّ وعزّ: {بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ} فمعناه لم أهلكهم كما أهلك غيرهم من الكفار.

  {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٣٢}

  {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} «هم» رفع على إضمار فعل؛ لأن الاستفهام عن الفعل، ويجوز أن يكون موضعه مرفوعا بالابتداء. {نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ} أي فكذلك فضلنا بعضهم على بعض بالاصطفاء والاختيار. و {دَرَجاتٍ} في موضع نصب مفعول ثان حذف منه «إلى»، {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا} أي فضّلنا بعضهم على بعض في الرزق ليسخّر بعضهم لبعض. وكلّ من عمل لرجل عملا فقد سخّر له بأجرة كان أو بغير أجرة. وعن ابن عباس والضّحاك {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا}⁣(⁣١) قال: العبيد، قال الفرّاء⁣(⁣٢): يقال سخريّ وسخريّ بمعنى واحد هاهنا وفي {قَدْ أَفْلَحَ}⁣[المؤمنون: ١] وفي «صاد»⁣(⁣٣). قال أبو جعفر: والأمر كما قال الفرّاء عند جميع أهل اللغة إلّا شيئا ذكره أبو عمرو.

  {وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ ٣٣ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ ٣٤}

  {وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً} قال الفرّاء: «أن» في موضع رفع، {لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ} «بيوتهم» فيه غير قول، منه أن المعنى أي على بيوتهم، وقيل: إنه بدل بإعادة الحرف مثل: {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}⁣[الأعراف: ٧٥]. قال أبو جعفر: وهذا القول أولى


(١) انظر البحر المحيط ٨/ ١٤.

(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٣١.

(٣) الآية ٦٣.