علوم الحديث عند الزيدية والمحدثين،

عبدالله بن حمود العزي (معاصر)

الفصل الثالث الحديث بين الرواية والدراية

صفحة 305 - الجزء 1

  سلامة الحديث سنداً، وظيفة المحدث، وكشف سلامته متناً مع استخراج حكمه وظيفة الفقيه.

  روي أن رجلاً أتى الأعمش فسأله عن مسألة فلم يعرفها، وكان أبو حنيفة حاضراً فطلب منه الأعمش أن يجيب على المسألة، فأجاب، فقال له الأعمش: من أين؟ قال أبو حنيفة: من حديث حدثناه عن فلان عن فلان، عن النبي ÷، فقال الأعمش: نحن الصيادلة، وأنتم الأطباء. فقد يصح الحديث سنداً، ويضعف متناً، والعكس.

  قال الشيخ محمد الغزالي: (والواقع أن عمل الفقهاء متمم لعمل المحدثين، وحارس للسنة من أي خلل قد يتسلل إليها عن ذهول أو تساهل).

  إن في السنة متواتراً له حكم القرآن، وفيها الصحيح المشهور الذي يفسر العموم، والمطلق في كتاب الله، وفيها حشد كبير من أحكام الفروع التي اشتغلت بها المذاهب الفقهية. وقد يصح الحديث سنداً، ويضعف متناً بعد اكتشاف الفقهاء لعلة كامنة فيه.

  وفي عصرنا ظهر فتيان سوء، يتطاولون على أئمة الفقه باسم الدفاع عن الحديث النبوي، مع أن الفقهاء ماحادوا عن السنة، ولا استهانوا بحديث صحة نسبته، وسلم متنه، وكل مافعلوه أنهم اكتشفوا عللاً في بعض المرويات فردوها وفق المنهج العلمي المدروس، وأرشدوا الأمة إلى ماهو أصدق قيلاً، وأهدى سبيلاً.

  وهم بهذا المنهج يتأسون بالصحابة والتابعين، انظر موقف عائشة ^ عندما سمعت حديث: (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)، لقد أنكرته وحلفت أن الرسول ÷ ما قاله، وقالت بياناً