الفصل الثالث الحديث بين الرواية والدراية
  لرفضها إياه: أين منكم قول الله سبحانه {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤] إنها ترد مايخالف القرآن بكل جرأة وثقة، ومع ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة ما يزال مثبتاً في الصحاح)(١).
  وقد عرفت أن أهل البيت $ هم الذين تميزوا بقاعدة العرض على القرآن، وطبقوها على الأحاديث النبوية، فما وافق القرآن وفق الشروط المعتبرة قبلوه، وماخالف القرآن ولو انطبقت شروط المحدثين الشكلية ردوه بكل جرأة وثقة، والحمدلله نجد المنصفين من كل مذهب يرجعون إلى هذه القاعدة الهامة، ويعتبروها شرطاً أساسياً لقبول الحديث.
  وكذلك نجد الذين يشككون في حديث العرض أنفسهم، ويضعفونه نظرياً، يضطرون مكرهين إلى تطبيقه عملياً.
  قال السيد حسن السقاف: (وإذا كان الحفاظ قد عرَّفوا الشاذ في كتب المصطلح بأنه: ما خالف الثقة به الثقات، فنقول: إذا خالف الثقة الثقات في رواية اعتبر حديثه شاذاً مقدوحاً فيه، فما بالك إذا خالف الثقة القرآن، حيث أتى برواية تخالف المقطوع به. لاشك أنه يطرح ماجاء به وهو شاذ بمرة.
  وإنما يدرك ذلك من كان فهمه ثاقباً، وكان فقيهاً صاحب استنباط دقيق، وعقل كبير فطن، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)(٢).
  وقال معاتباً المحدثين الذين لم يراعوا الشرطين الأخيرين الخاصين بمتن الحديث: (والحق أنهم في غالب أحوالهم لم يراعوا الشرط الرابع والخامس،
(١) السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث: ١٥ - ١٦.
(٢) دفع شبه التشبيه مقدمة: ٤٩.