الفصل الرابع بطلان الإحتجاج بالإسرائيليات
  اليرموك، فكان يعتني بتلك الكتب، فيقرأها ويروي للناس ما فيها! كما قال الحافظ ابن حجر في كتاب «النكت على كتاب ابن الصلاح» (٥٣٢/ ٢) شارحاً قول الحافظ ابن الصلاح (إذا كان الصحابي ينظر في الإسرائيليات فلا يُعطي تفسيره حكم الرفع) ما نصه: «و كعبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب، فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة، حتى كان بعض أصحابه ربما قال له: حدّثنا عن النبي ÷، ولا تحدّثنا عن الصحيفة(١)، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر به من الأمور التي قدَّمنا ذكرها الرفع لقوَّة الإحتمال» انتهى كلام الحافظ وهو كلام حسن نفيس جداً.
  ومن هذا الأمر تبيّنت لي قاعدة واضحة جلية، وهي أن الذين جالسوا كعباً ونحوه من الصحابة كأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وأنس بن مالك وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص، لا يُسَّلم لما هو مروي عنهم من الأحاديث المرفوعة على أنه حقاً من المرفوعات ومن كلام النبي ÷، بل لا بدَّ من سبر ما في الحديث من أفكار، فإن لمسنا أن فيه ما يخالف القرآن أو الأصول والقواعد أو فيه شبه بمنطق الحكايات والأوصاف الإسرائيلية وإن كان في كتب الصحاح رددناه وحكمنا بأنه من الإسرائليات، ولا أقول بأنّ أولئك الصحابة هم الذين رفعوا هذه الأخبار، وإنما أجزم بخطأ من روي ذلك عنهم، فظَّنه من كلام النبي ÷ فرفعه!
(١) قال الذهبي في «سير النبلاء» (١٠٨/ ١٣): إنه لا يجوز تقليد جماعة من الصحابة في بعض المسائل.