الفصل الرابع بطلان الإحتجاج بالإسرائيليات
  وتقدّم عن بسر بن سعيد (وهو من كبار التابعين ومن رجال الستة) قال: «اتقوا الله وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول الله ÷، ويحدّثنا عن كعب، ثمّ يقوم، فأسمع بعض مَنْ كان معنا يجعل حديث رسول الله ÷ عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله ÷» (انظر «سير أعلام النبلاء» (٦٠٦/ ٢)، و (البداية والنهاية» (١٠/ ٨)).
  والمقصود أننا جازمون وقاطعون بأنّ ذلك ليس من كلام النبي ÷! كحديث الصورة الطويل المروي في الصحيحين من رواية أبي سعيد وأبي هريرة، فإننا جازمون وقاطعون بأنّ هذا الحديث ليس من مشكاة النبوّة، وإنما هو منقول عن ابن سلام أو كعب الأحبار! وهو شاذ بمرة كما جزمتُ بذلك فيما علقته على «دفع شبه التشبيه» ص (١٥٧).
  ومما يستدلُّ به على هذه القاعدة حديث التربة المروي في صحيح مسلم والذي سيق هناك على أنه من رواية أبي هريرة عن النبي ÷! قال ابن كثير في تفسيره (٩٩/ ١ طبعة الشعب): «هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلّم عليه ابن المديني وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب الأحبار، وأنّ أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وقد اشتبه على بعض الرواة، فجعله مرفوعاً»(١).
  والذي يهمنا هنا الآن من هذا الحديث هو صيغة السماع المروية فيما بين أبي هريرة وبين سيدنا رسول الله ÷، وهي كما جاء
(١) انظر «دفع شبه التشبيه» ص (٤٩ - ٥١).