مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الدليل الصغير

صفحة 119 - الجزء 1

  وابتدأها، فابتدعها صنعا، وخلقها بدعا، يدل على ذلك فيبينه، ويوضح ذلك فينيره ما يرى من كثرة ذلك وسعة أقداره، وما يعاين من بُعْدِ ما بين أطرافه وأقطاره، مع ما فيه من لطيف التقدير والإحكام، وما له من طول البقاء والإقامة والدوام. فكل صنعه ولطيف تدبيره وتقديره وإحكامه، وما ذكرنا من بقائه وإمساكه وإقامته ودوامه - دليل بين على صانعِه ومحكمِه، وممسكِه بحيث هو ومديمِه، وذلك فهو الله العزيز الحكيم، والمتقن للأشياء⁣(⁣١) والممسك المديم، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ٤١}⁣[فاطر]، فكل ذلك فقد جعله الله بحلمه ومغفرته قدرا مقدورا، ولا يكون القدر وهو القدر المقدور إلا وهو لا بد لربنا صنع وخلق مفطور، ولا يجحد ذلك أبدا ولا ينكره إلا من عمي قلبه وفكره.

  فاسمع يا بني - هداك الله - لما بين في ذلك برحمته لخلقه⁣(⁣٢) من الآيات الجليلات والدلائل المضيات، ففي أقل استماعه وفهمه عن الله واتباعه ما أغنى من فَهِمَه وكفاه، وأبراه من كل داء حيرة وشفاه، كما قال تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ٥٧}⁣[يونس]، فإنك يا بني إن تفهم أقل آياته وما دل به على نفسه في ذلك من دلالته حق فهمه تكن من الموقنين.

  فمن ذلك - فافقه⁣(⁣٣) مقاله عن أن يحويه قول أو يناله -: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ٢٣}⁣[الملك].


(١) في نخ: لما يشاء.

(٢) في نخ: لما خلقه الله.

(٣) في نخ: فافهم.