مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الدليل الصغير

صفحة 120 - الجزء 1

  فأخبرهم سبحانه من إنشائه لهم بما يرون عيانا ويبصرون، ومالا يقدرون على إنكاره إلا بالمكابرة لما يرون، إذ الجعل والإنشاء إنما هو الزيادة والنماء، ولا خفاء عندهم ولو جهدوا جهدهم بما يرونه والحمد لله عيانا من زيادتهم في أنفسهم وسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم، كما قال سبحانه لهم في ذلك، فإنهم إنما كانوا على ما وصفهم كذلك، يزيدون وينمون، ويشبون ويتمون، حتى عادوا رجالا بعد أن كانوا أطفالا، وصاروا كثيرا مذكورا بعد أن كانوا قليلا محقورا، كما قال سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ١}⁣[الإنسان]، وقد أتى عليه أن كان ترابا ثم نطفة ثم علقة، ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، وفي ذلك ما يقول الله تعالى ذكره: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ٥ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٦}⁣[الحج] كما أحيا الأرض بعد همودها، وكذلك الله لا شريك له فموجود بما ذكر من الخلائق ووجودها، لا ينكر ذلك إلا بمكابرة، ولا يجحده ولا يدفعه من دلَّه على صانع من الصانعين ما كان وإن غاب صنعُه.

  ألا ترى يا بني أن من رأى كتابا علم أن له كاتبا وإن كان من كتبه عنه غائبا، وكذلك من رأى أثراً علم أن له مؤثراً، أو صورة ما كانت أيقن أن لها مصورا، أو سمع منطقا علم أن له ناطقا، وكذلك ما يرى من هذا الخلق العجيب فقد يوقن من نظر وفكر أن له خالقا ليس له مثل ولا شبيه، كما ليس بين صنعه وصنع غيره تمثيل ولا تشبيه، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ