مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن الله في السماء دون ما سواها

صفحة 154 - الجزء 1

  

الرد على من زعم أن الله في السماء دون ما سواها

  الحمد لله الذي لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأقطار، الذي لم تهجم عليه العقول بفكرها، ولا الفكر بمحالها، ولا الألباب بتدبيرها، الذي لم ينفصل من المخلوقين فيكون منهم بعيداً، ولم يتصل بهم فيكون لهم مخالطاً.

  إن سأل سائل ذو حيرة⁣(⁣١) عن قول الله ø: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}⁣[فاطر: ١٠]، وتوهم أن الله تبارك وتعالى ارتفع في مكان دون الأماكن وعاب من قال: إن الله بكل مكان، وقال: أيصعد من الله إلى الله إذ قلنا: إنه في السماء وفي الأرض.

  فجوابنا في ذلك: أن الله تبارك وتعالى في الأماكن كلها، مدبر لها حافظ قائم عليها، لم تحوه ولم تحط به، ولا نقول: يصعد منه إليه، فنَصِفُهُ بالغاية والتحديد، وأنه سبحانه في مكان دون مكان، ولكنا نقول: إن الله تبارك وتعالى خلق ملائكته وتعبدهم بما شاء، فكلف بعضهم نقلة الأخبار من السماء إلى الأرض ونقلة الأخبار من الأرض إلى السماء، وإنه خلق السماء فأسكنها ملائكته لعبادته، بعضهم ينسخ أعمال الآدميين، ووكل بعضهم رقيباً وحافظاً على الملائكة التي وكلت بنسخ أعمال الآدميين، وكذلك قالت الملائكة À: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ١٦٤}⁣[الصافات]، أي: ما وكلوا به من صنوف التعبد، وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}⁣[فاطر: ١٠]، معناه في الآية الأخرى، مثل قول إبراهيم الخليل #: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ٩٩}⁣[الصافات]، ولم يبرح الأرض في حال ذهابه إلى ربه، وقد كان الله معه.

  وقد قال لكليمه موسى وأخيه هارون صلى الله عليهما: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ


(١) في (ب): خبرة.