مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن الله نور كالأنوار المخلوقة

صفحة 163 - الجزء 1

  وخدعه، فالقرآن في هذه الأماكن الموحشة كالمشكاة التي هي الكوة والمصباح فيها، والمصباح في القنديل ينير لما حوله ويضيء لمن دنا منه.

  وقد يجوز أن يكون الله عنى بقوله مثل نور النبي ÷ كهذا، كالمعنى الذي وصفنا به القرآن، والمعنى: أن النبي ÷ أضاء لنفسه بنبوته ورسالة ربه، وأضاء لمن دنا منه أو سمع به في الأخبار.

  وقد يتجه أن يكون الله أراد به قلب المؤمن أيضاً والإيمان الذي فيه، فمثل قلب المؤمن وكون الإيمان فيه مثل القنديل في المشكاة، فالإيمان يضيء للمؤمن عن كل ظلمة، كما أن القنديل يضيء في الكوة، وتضمحل به الغياهب المدلهمات من الريب، والإيمان يتوقد ويضيء بالحكمة توقداً يظهر شعاع الحكمة ونورها في كلامه وفعاله وعلى جوارحه، وهو بعلمه بربه علمه له نور على نور.

  واعلم أنه قد يجوز أن يكون معنى قوله: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}⁣[النور: ٣٥]، نور مع نور؛ لأن كلامه نور مع عمله، وعلمه مع عمله، فهذا نور على نور، أي: مع نور. {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}⁣[النور: ٣٥]، لا من يشاء غيره يهدي، ولو كانت البرية كلها لمن لا يريد هدايته ظهيراً لما اهتدى المرء أدنى الهداية إلا أن يشاء الله.

  وقد يتجه أن يكون الله سبحانه شبه نبيه ÷ كما شبه القرآن والإيمان بالمعنى الذي وصفناه.

  ومعنى قوله: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ}⁣[النور: ٣٥]، فهذه شجرة منبتها في مكان مطلع الشمس عليه ولا تزول عنها حتى تغيب، وهي الشمس الضاحية، وهو أنضج لثمرها، تكاد أن ترى في الزيتونة التي هي ثمرها وجهك من ودكها من نقائه وصفائه، فإذا أوقد القنديل من زيت هذه الزيتونة كان أنور للمصباح، وهذه أمثال ضربها الله للناس لعلهم يتفكرون.

  وقال بعضهم: إن معنى: {زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} أنه: محمد ÷ يصلي لا للمشرق ولا للمغرب، ولكن لكعبة الله الحرام.