الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك
  لله، وذلك بَيِّن فيما يرى منهم في اتصال السرور بالمعرفة على حسب اتصال المعرفة بالقلب، وكلما ترقى العارف في معارج المعرفة ترقى في معارج السرور.
  وقد ترى جمهور أمتنا يعلمون أن الله عالم بعلمهم أن الله عالم، دركاً به عرفوا الله، فهذا الدرك هو درك العلماء بالله، فإذا نزل بهم تفصيل معاني دقائق مسائل تدخل في الكلام في العلم كان ذلك دركاً هو عند العالمين بالله، الذين هم في معاني درجات العارفين(١) بالله، فإذا أخذوا في ذلك(٢) العلم وجدوا في ذلك سروراً.
  فالناس لا يستوون في درك الله في الدنيا في تفاضلهم، وكذلك يتفاضلون غداً في إدراك الله للمعنى الذي ليس هو تحديداً لله، فيكون الله يعطيهم من درك العلم ما لا يخطر على قلب بشر في الدنيا، مما فيه السرور والتنعم كما أعطى السرور والنعم العالمين بالله في الدنيا ما لا يعطى كثيراً ممن سواهم من العلماء الذي هم دونهم، وقد عرفنا درك المؤمنين في الدنيا كيف هو، وأما درك المؤمنين في المعاد فإنا لا نعلم كيف هو؛ لأنا لم نره، وهو في الآخرة ثواب، والثواب مؤجل، وكلما كان من ثواب الله في الجنة فلا يعلم كيف هو إلا الله، إلا أنا نعلم أن معنى الدرك لله في الجنة ليس تحديداً ولا إحاطة، فاعرف معاني الدرك، واعرف فضل الدرك الذي يكون في الآخرة على فضل الدرك الذي يكون في الدنيا.
  ولو أمدّ الله ø الأبصار بالمعونة حتى تدرك أقل قليل نقطةٍ من القطر في مُدلهمٍ ليل عايم تحت الأرض السفلى من أبعد غايات السماوات العلى ما أدركت الأبصار الله، وكذلك لو أُمِدَّت الحواس كلها بالمعونات حتى تدرك كل محسوس ما هجم منها شيء على الله سبحانه تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
  تم كتاب المسترشد والحمد لله كثيراً وصلى الله على سيدنا محمد النبي وأهل الطاهرين وسلم تسليما
(١) في نسخة: في المعاني درجات والعارفين بالله.
(٢) في (أ): فإذا أخذوا ذلك العلم.