مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[التوحيد الخالص]

صفحة 193 - الجزء 1

  أحدٍ منهم معرفة في شيء من بدوِّ ذلك وإنشائه، ومن أعمل منهم فكره ليبلغ معرفة شيء من ذلك بقي حسيراً منقطعاً مبهوراً، ولا جعل إلى أحدٍ في شيء منه سبيلاً، ولا جعل لأحد فيه محمدة ولا ذماً؛ لأنه جل ثناؤه لم يستعن على إنشاء ما أنشأ بأحد، ولم يشاركه في ملكه أحد، ولم يؤامر في تدبيره أحداً، فهو الواحد الأحد، الذي لا من شيء كان، ولا من شيء خلق ما كان، فهو الدائم بلا أمد، الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٣}⁣[الحديد].

  وجميع ما أدركتَه ببصرك ووهمك، ووقع عليه شيء من حواسك، أو كيَّفته بتقديرك، أو حددته بتمثيلك، أو شبهته بتشبيهك، أو وقَّتَ له وقتاً، أو حددت له حداً، أو عرفت له أولاً، أو وصفت له آخراً - فهو محدث مخلوق، والله تبارك وتعالى خالق الأشياء، لا من شيء خلقها، ولا على مثال صورها، بل أنشاها إنشاءً وابتدأها ابتداءً، فدبرها بأحكم تدبير، وقدرها بأحسن تقدير.

  فهو جل ثناؤه لا يشبه الخلق ولا يشبهه الخلق؛ لأنه الخلاق الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}⁣[الشورى]، لم يخص بذلك شيئاً دون شيء، بل عم الأشياء كلها، ما كان منها وما يكون، فلا شبيه له ولا عديل، لا الضياء ولا الأنوار، ولا الظلمات ولا النار؛ وذلك أن النور والظلمة مخلوقان محدثان، يوجدان ويعدمان، ويقبلان ويدبران، ويذهبان ويجيئان، ويوصفان ويحدان، والخالق جل ثناؤه ليس كذلك؛ لأن الخالق جل وعز قديم لم يزل والمخلوق لم يكن، فآثار الصنعة في المخلوق بينة، وأعلام التدبير قائمة، والعجز فيه ظاهر، والحاجة له لازمة، والآفات به نازلة، فأنت تراه مرة ماثلاً ومرة آفلاً زائلاً.

  فلما كانت هذه صفة كل مخلوق لم يجز أن تضاف صفة المخلوقِ إلى الخالق عز وجهه؛ لأن الخالق لا يكون في صفة المخلوق، تبارك وتعالى الخالق أن يكون له شبه البشر، هو الحامد نفسه قبل أن يحمده أحد من خلقه، فقال تبارك وتعالى: