[التوحيد الخالص]
  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ١}[الأنعام]، يقول جل ثناؤه: إن الكفار عبدوا إلهاً غير الله، فقالوا: هو ضياء ونور، ومن جنسه النار والنور، وجعلوا معه إلهاً آخر، وقالوا: هو ظلمة، ومن جنسه كل ظلمة، فعدلوا بالله جل ثناؤه حين شبهوه بالأنوار، وجعلوا معه آلهة من الظلمات، فأكذبهم الله جل ثناؤه إذ قال: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}، تكذيباً لهم إذ شبهوه وعدلوا به، وأكذب جل ثناؤه الذين شبهوه بالإنس من اليهود وغيرهم من المشركين جهلاً به وجرأة عليه، فقال جل ثناؤه مع ما بين لهم في عقولهم من وحدانيته، ونفى شبه الخلق عندما يرون من أدلته وأعلامه التي تدعوهم إلى معرفته وتوحيده، من خلق السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، ومن أنفسهم لو أحسنوا النظر، وأعملوا في ذلك الفكر، فقال جل ثناؤه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}[الإخلاص]، وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وقال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}[الأنعام: ١٠٣]، وقال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة: ٧].
  كذلك الله ø شاهد كل نجوى، عالم السر وأخفى، قريب لا بمجاورة، بعيد لا بمفارقة، شاهد كل غائب، آخذ بناصية كل دآبة، وعليه رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، أقرب إلينا من حبل الوريد، وحائل بيننا وبين قلوبنا لا بتحديد، وهو مع قربه منا مدبر السماوات العلى، وشاهد الأرضين السفلى، وعليم بما فيهن وما بينهن وما تحت الثرى، وهو على العرش استوى، وهو مع كل نجوى، وهو في ذلك لا كشيء من الأشياء.