[الرد على افتراءات القدرية]
  مستطيعين، فلو لم يكن لهم عليها استطاعة لما أمرهم بها(١)، ولو كانت استطاعة لغير التقوى(٢) لم يجز أن يقول: {اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}؛ إذ كانت الاستطاعة لغير التقوى، وقال جل ثناؤه: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ}[الأعراف: ١٧١]، وقال تبارك وتعالى: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم: ١٢]، فقد أمرهم أن يأخذوا كتبه بقوة، وأمرهم أن يأخذوا كتبه ومواعظه بالقوة التي آتاهم قبل أن يأخذوا؛ لأن الأخذ فعلهم، والأمر والقوة فعل ربهم، فلم يأمرهم جل ثناؤه أن يأخذوا حتى قوَّاهم على ذلك قبل أن يأخذوا.
  وكذلك قال في الصيام: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}[البقرة: ١٨٤]، يعني: على الذين يطيقون الصيام ولا يصومون فديةٌ، ونحو ذلك مما في القرآن.
  وذلك كله دليل على أن القوة قبل الفعل؛ إذ كان الفعل لا يكون إلا بالقوة، وكل ما كان بشيء يكون أو به يقوم فالذي يكون الشيء أو يقوم به فهو قبله، كذلك الأشياء كلها بالله جل ثناؤه كانت وبه قامت، وهو قبلها، وكذلك القوة فينا قبل فعلنا؛ إذ كان فعلنا لا يكون ولا يقوم ولا يتم إلا بها، وكذلك يقول الناس: بقوة الله فعلنا، لا كما تقول القدرية المشركون: إن الله جل ثناؤه لم يبتدئ العباد بالقوة فأنعم عليهم بها قبل فعلهم، ولكنها كانت منه مع فعلهم.
  ففيما وضعناه دليل وبرهان أن القوة من الله جل ثناؤه في عباده قبل فعالهم؛ إذ كان بطاعته لهم آمراً، وعن معصيته لهم ناهياً، نعمة أنعم بها عليهم، وأحسن بها إليهم، والقوة عندنا على الأعمال هي الصحة والسلامة من الآفات في النفس والجوارح وكل ما يوصل به إلى الأفاعيل؛ إذ كانت الصحة والسلامة تثبت الفرض، وإذا زالت زال الفرض، ذلك موجود في العقول، وفي أحكام الله جل ثناؤه، وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى أهله وفي إجماع الأمة، لا يعرفون غير
(١) «بها» ساقطة من (أ).
(٢) في (أ): لغيرها.