مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الرد على افتراءات القدرية]

صفحة 206 - الجزء 1

  ذلك، ولا يدينون إلا بذلك.

  فليتق الله عبدُه⁣(⁣١)، وليعلم أن الله جل ذكره يبتدئ العباد بالنعم والبيان، ولا يبتدئهم بالضلال والطغيان، صدَّق ذلك قولُه لا شريك له: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ١٥}⁣[الإسراء]، وقال جل ثناؤه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}⁣[التوبة: ١١٥].

  فمن أحسن فليحمد الله جل ثناؤه؛ إذ أمره بالخير وأعانه عليه، ومن أساء فليذم نفسه فهي أولى بالذم، وليضف المعصية إذ كانت منه إلى نفسه الأمارة بالسوء، وإلى الشيطان إذ كان بها آمراً ولها مزيِّناً، كما⁣(⁣٢) أضافها الله جل ثناؤه إليه، وأضافها الأنبياء À، والصالحون حين عصوا الله إلى أنفسهم، قال آدم وحواء ª حين عصيا في أكل الشجرة: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٢٣}⁣[الأعراف: ٢٧]، فأخبر سبحانه أن الشيطان دلَّاهما بغرور، ثم حذَّر أولادهما من بعدهما إعذاراً إليهم، وتفضلاً عليهم، فقال: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}.

  وقال موسى ~ حين قتل النفس: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ١٥}⁣[القصص]، وقال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٦}.

  وقال يونس ~ وهو في بطن الحوت تائباً من ظلمه لنفسه، ومقرّاً بذنبه: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}⁣[الأنبياء]، وقال غيرهم من الأنبياء À نحو ذلك، وقال الصالحون نحو ذلك عند زلتهم.

  فنقول كما قال أنبياؤه ورسله À، وكما قال الصالحون من عباده، فنضيف المعاصي إلى أنفسنا وإلى الشيطان عدونا كما أمرنا ربنا، ولا نقول كما قال


(١) في (أ): عبدٌ.

(٢) في (أ): وكما.