مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الرد على افتراءات القدرية]

صفحة 207 - الجزء 1

  القدريون المفترون: إن الله جل ثناؤه قدَّر المعاصي على عباده ليعملوا بها وأدخلهم فيها، وأرادها منهم وقلَّبهم فيها كما تقلب الحجارة، وشاءها لهم وقضاها عليهم حتماً، لا يقدرون على تركها، وإنه في قولهم يغضب مما قضى، ويسخط مما أراد، ويعيب ما قدَّر، ويعذب طفلاً بجرم والده، وأنه يحمد العباد ويذمهم بما لم يفعلوا، ويجزيهم بما صنع بهم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

  [هذا مع زعمهم أن أفعال العباد كلها طاعتها ومعصيتها صنعه وخلقه، هو تولى خلقها وإحداثها، خلافاً لقول الله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٤}⁣[محمد]، {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٧٢}⁣[الزخرف]، وقوله لأهل المعاصي: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٦٢}⁣[المائدة]، و {سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٥}⁣[الحشر]، و {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٦}⁣[الطور]، فكفروا بالله كفراً لم يكفر به أحد من العالمين؛ لعظيم فريتهم على ربهم جل ثناؤه، ورميهم إياه بجميع جرمهم، تعالى الله عن إفكهم علواً كبيراً، وتقدس وجل ثناؤه، أليس في كتابه وفي حجة عقول خلقه عدلُه عليهم وإحسانه، وبراءته من ظلمهم؟ إذ قال جل ثناؤه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٩٠}⁣[النحل].

  فوالله لو لم ينزل على عباده إلا هذه الآية في عدله لكان فيها البيان والنور، وهي آية محكمة مجملة تأتي على جميع الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية.

  وفي أمر الله جل ثناؤه عبادَه بالطاعة دليلٌ لمن كان له عقل أن الله جل ثناؤه أرادها وشاءها وأحبها؛ إذ كان بها آمراً وعليها حامداً، ولأهلها موالياً، ولهم مثيباً، وفي نهيه عن المعصية دليل أنه لم يردها ولم يشأها ولم يحبها؛ إذ كان عنها ناهياً، وعليها ذامّاً، ومن أهلها بريئاً، ولهم معاقباً.

  فلا هو أرادها جل ثناؤه، ولا هو ø عُصِيَ مغلوباً، ولكنه الحليم تأنى بخلقه وأمهلهم وحلم عنهم، ولم يعجل عليهم بالانتقام منهم، ليرجعوا فيتوبوا،