مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[بعض ما يعتل به القدرية من الآيات المتشابهات في أن الله قدر المعاصي، والرد عليهم]

صفحة 209 - الجزء 1

  والدليل على أن المعاصي ليست بقضائه ولا بقدره ما أنزل في كتابه من ذكر قضائه بالحق وأمره بالعدل، وتعبُّده عبادَه بالرضا بقضائه وقدره، وإجماع الأمة كلها على أن جميع المعاصي والفواحش جورٌ وباطل وظلم، وأن الله جل ثناؤه لم يقض الجور والباطل، ولم يكن منه الظلم، وأنهم مُسَلِّمون لقضاء الله منقادون لأمر الله، فإذا نزلت بهم الحوادث من الأسقام والموت والجدب والمصائب من الله جل ثناؤه قالوا: هذا بقضاء الله، رضينا وسلمنا، ولا يسخطه منهم أحد، ولا ينكره منكر، وإن سخطه منهم ساخط كان عندهم من الكافرين، وإذا ظهرت فيهم الفواحش وانتهكت فيهم المحارم كانوا لها كارهين، وعلى أهلها ساخطين، ولهم معاقبين، يتبرأون منهم ويلعنونهم، ويذمونهم وأعمالهم، ففي ذلك دليل أن ذلك ليس من قضاء الله ولا من قدره؛ وذلك لأنه فعل مذموم قبيح فاحش هو ومن فعله، وقضاء الله لا يكون جوراً ولا فاحشاً ولا قبيحاً ولا باطلاً ولا ظلماً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

  وقد وصفنا حجج الله في عدله وما بيَّن من ذلك لخلقه.

[بعض ما يعتل به القدرية من الآيات المتشابهات في أن الله قدَّر المعاصي، والرد عليهم]

  فإن اعتلت القدرية السفهاء ببعض الآيات المتشابهات نحو قوله جل ثناؤه: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}⁣[فاطر: ٨]، وقوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ٧]، {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}⁣[النساء: ١٥٥]، ونحو ذلك من متشابه الآيات، وتأولوها على غير تأويلها - فإنّ كَسْرَ مقالتهم يسير، والحجة عليهم بينة، وذلك أن الله ø أخبر أن الشيطان وجنوده من الجن والإنس يضلون، وإنما إضلالهم للعبد إنما هو من طريق الصد عن الطاعة بالغرور والكذب والخداع والتزيين للقبيح الذي قبحه الله، والتقبيح لما زيَّن الله وحسنه، فذلك معنى إضلال الشيطان وأوليائه، والله جل ثناؤه يضل لا من طريق