[بعض ما يعتل به القدرية من الآيات المتشابهات في أن الله قدر المعاصي، والرد عليهم]
  أولئك؛ لأنه تعالى عن الكذب والصد عن سبيله والتقبيح لما حسَّن من طاعته والتزيين لما قبّح من معصيته، وإنما معنى إضلاله جل ثناؤه للعباد الذين يَضلون عن سبيله - عند كثير من أهل العلم - التسميةُ لهم بالضلالة، والشهادةُ عليهم بها، كما يقال: فلان كفَّر(١) فلاناً، وفلان عدَّل فلاناً، وفلان جوَّر فلاناً، يريدون(٢): أنه سماه بذلك لما هو عليه من ذلك، فكذلك(٣) يقال: أضلَّ الله الفاسقين، وطبع على قلوب الكافرين، معنى ذلك عند كثير من أهل العلم: أنه شهد عليهم بسوء أعمالهم، ونسبهم إلى أفعالهم، مسمياً لهم بذلك، وحاكماً عليهم به كذلك، لما كان منهم، فذلك تأويل الآيات المتشابهات في هذا المعنى عند من وصفنا من أهل العلم.
  فعلى العبد أن يتقي الله، وينظر لنفسه، ولا يقبل ما تأولته القدرية والمجبرة مما لا يجوز على الله جل ثناؤه في الثناء، وأدنى ما عليه أن يحسن الظن بربه، ويأمنه على نفسه ودمه، ويعلم أنه أنظرُ له من جميع خلقه، وليرجع إلى المحكمات من الآيات التي وصف اللهُ جل ثناؤه فيها نفسَه - جل وجهه - بالعدل والإحسان، والرحمة بخلقه(٤)، والغنى عنهم، والأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، فيعمل بتلك الآيات ويكون عليها، ويؤمن بالمتشابهات، ولا يظن أنها وإن جهل تأويلها وحُرِّفت عن تفسيرها أنها تنقض المحكمات، فإن(٥) كتاب الله لا ينقض بعضُه بعضاً، ولا يخالف بعضه بعضاً، وقد قال الله ø: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}[النساء]، فنفى أن يكون في كتابه اختلاف.
(١) في (أ): كما يقال: فلان أكفر فلاناً، وكفَّر فلان فلاناً.
(٢) في (أ): يريد أنه.
(٣) في (أ): وكذلك.
(٤) في (أ): لخلقه.
(٥) في (أ): وأن.