[معاداة الفاسقين]
  وأمر به من جرح عدالته وإبطال شهادته، وسوء الظن به، والحجر عليه في ماله إذا أنفقه في معاصي ربه، حتى يُؤنس رشدُه، وغير ذلك من الأحكام عليه، من سوء الثناء، وإلزامه القبيحة من الأسماء، فليس هو من المؤمنين في أسمائهم ولا رضي أفعالهم؛ لمجانبته المؤمنين في أعمالهم وطيبهم، ولا من الكافرين ولا يسمى بأسمائهم؛ لمخالفته الكافرين في حجدهم، وفريتهم على ربهم، واستحلالهم ما حرم عليهم، ولا هو من المنافقين؛ لاستسرار المنافقين الكفر في قلوبهم، ولكنه فاسق، ذلك اسمه، وعليه حكمه.
  وقد بيَّن الله جل ثناؤه أن الفاسق اسم من أسماء الذنوب، لقوله: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ١١}[الحجرات]، ومن لم يتب من فسقه وظلمه فهو من أهل النار ليس بخارج منها، ولكنه وإن كان في النار فليس عذابه كعذاب الكفار، بل الكفار أشد عذاباً.
  فلا يغتر مغتر ولا يتَّكل متَّكِل على قول من يقول من الكاذبين على الله وعلى رسوله ~ وعلى أهله: إن قوماً يخرجون من النار بعد ما يدخلونها يعذبون بقدر ذنوبهم، هيهات، أبى الله جل ثناؤه ذلك، وذلك أن الآخرة دار جزاء، والدنيا دار عمل وبلوى، فمن خرج من دار البلوى إلى دار الجزاء على طاعة أو معصية فهو صائر إلى ما أعد الله له خالداً فيها أبداً.
  فاللهَ اللهَ في أنفسكم بادروا وجدوا وتوبوا قبل أن تحجبوا عن التوبة.
  ومع ذلك فإن الأمة مجمعة على أن أهل الوعيد من أهل النار.
  فقال بعض الناس: إنما عنى بالوعيد المستحلين، وتواعد به المذنبين؛ ليزجرهم عن أعمال الفاسقين.
  فقيل لهم: أفيجوز على أحكم الحاكمين أن يوعد بعقوبة الكافرين من ليس منهم من المذنبين وهو يعلم أنه لا يوقع بهم ذلك يوم الدين؟!
  فهل يكون من الكذب والهزل من القول إلا ما وصفتم به أرحم الراحمين؟