[معاداة الفاسقين]
  إذ كان يوعد قوماً بعقوبة قوم آخرين لم يكونوا لمثل أعمالهم التي أوجب الله لهم العقوبة عليها عاملين.
  وقال بعضهم: إن قوماً يخرجون من النار بعد ما يدخلونها.
  فقيل لهم: إذا اجتمعتم أنتم وأهل الحق على الدخول ثم خالفتموهم في الخروج فالحق ما اجتمعتم عليه من الدخول، والباطل ما ادعيتموه بلا إجماع ولا حجة من الخروج، والأمة مجمعة على أن من أتى كبيرة، أو ترك طاعة فريضة كالصلاة والزكاة والصيام من أهل الملة فهو فاسق، وهي مختلفة في غير ذلك من أسمائه.
  فقال بعضهم: هو مشرك فاسق. وقال بعضهم: هو فاسق كافر.
  وقال بعضهم: فاسق منافق. فكلهم قد أقر بأنه فاسق، واختلفوا في غير ذلك من أسمائه، فالحق ما أجمعوا عليه من تسميتهم إياه بالفسق، والباطل ما اختلفوا فيه، ففي إجماعهم الحجة والبرهان، نسأل الله التسديد والتوفيق لما يحب ويرضى.
  والأسماء في الدين والأحكام من عند ذي الجلال والإكرام، ليس لأحد من المخلوقين أن يضع اسماً وحكماً على أحد من العالمين فيما هم به مأمورون وعنه منهيون، فمن استحل شيئاً من ذلك برأيه عن غير كتاب الله جل ثناؤه وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى أهله فهو من الضالين؛ إذ كان عند الله كبيراً؛ لأن الحكم في ذلك كله لرب العالمين، لقوله جل ثناؤه: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ٥٧}[الأنعام].
  وعلى العبد أن يتجنب الفاسقين، والمعونة لهم على فسقهم، والمجالسة لهم على لهوهم ومعاصيهم، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ لأن على كل مؤمن إذا رأى منكراً مما يجوز أن يغيره هو أن يغيره بكل ما يقدر عليه ويحل له، وإن كان مما لا يجوز له أن يغيره إلا بإجماع المؤمنين بالتعاون فعليهم وعليه أن يغيروه بكل ما أمكنهم بالسيف إن لم يجد إلا بالسيف، وبما دون السيف إذا اكتفى به، وأدنى ذلك النهي باللسان. فإن لم يمكنه ذلك لتعبه لتخوفه الهلاك أو