صفة العرش والكرسي وتفسيرهما
  هذا قوله صلى الله عليه في تعريفه لله مَن جَهِلَه فكثير، في أقله والحمد لله لمن أيقن بالله هداية جلية وتبصير.
  وفي مثل(١) ذلك ما يقول موسى لفرعون إذ طغى وتعامى، إذ قال: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى ٤٩}[طه]، فقال صلى الله عليه: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ٥٠}. وكذلك قال # عندما دار بينه وبين فرعون في الله الكلام، إذ يقول فرعون: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ٢٣ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ٢٤ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ٢٥}[الشعراء]، فقال لهم إذ قالوا مقالته وسألوه # مسألته: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ٢٦}، فقال فرعون لهم عند جواب موسى إياهم: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ٢٧}، فقال موسى لهم جميعاً: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ٢٨}، فدلهم في ذلك كله على الله بصنعه وفعله ليس منهم من يدل على الله سبحانه بنعت ولا بِحِلية، ولا يصفه جل ثناؤه بصورة ولا هيئة، ولو كان كما قال الضالون العمون الذين لا يعقلون ولا يعلمون على ما ذكروا من صورة آدم لكانت الصورة من لحم ودم، ولَوَصَفه العارفون به وسموه بالصورة والهيئة وحَلَّوه.
  وفي مثل ذلك مِن وصفه بصنعه وخلقه وصدق القول عليه فيه وحقه ما تقول رسل الله صلى الله عليها للأمم التي أرسلها الله إليها إذ شكُّوا في الله وتحيروا، ولم يبصروا من الله ما بُصِّروا: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}[إبراهيم: ١٠]، فما دل الله جل ثناؤه على نفسه ولا دل عليه العارفون به بحلية ولا صورة، ولا بهيئة منعوتة ولا مذكورة، ولكن دل على نفسه ودلت رسله عليه بخلقه وفطرته، وبما يُرى في ذلك من أثر جلاله وكبريائه وقدرته.
(١) في (أ): ومثل ذلك.