القتل والقتال
  وما دل سبحانه من هذه الصفات كلها وغيرها على المنافقين فموجود اليوم كثير فيمن يتسمى كذباً وظلماً بأسماء المتقين، وهذا فهو معنى النفاق المعروف في لسان العرب وكلامها، وما يدور من معلوم اللسان فيه بين خواصها وعوامها، لا يجهله منها صغيرٌ طفل ولا كبيرٌ كهل، ولو كان النفاق ليس إلا ما زعم بعض الناس من إسرار الشرك وإعلان التوحيد والإقرار لما جاز أن يقال: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ}[آل عمران: ١٦٧]، وكيف يقول: هم أقرب إليه وهم فيه وعليه؟! هذا ما لا يصح في الألباب، ولا يصلح توهُّمُه في الكتاب؛ لتناقضه واختلافه، وميله عن الحكمة وانصرافه، وكيف يصح أن لا يكون النفاق إلا إسرار الشرك بالله والله يقول سبحانه لرسوله صلى الله عليه وعلى آله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ٩}[التحريم]؟ فكيف يأمره بجهادهم على ما طووه من شركهم سراً وهو لا يحيط صلى الله عليه بكثير من علانيتهم خبراً؟ فكيف يأمره بجهادهم على سر القلوب الذي لا يعلمه إلا علام الغيوب؟! وكل من قال: إن النفاق إسرار الشرك بالله غير موجب على نفسه لجهاد المسرِّين لشركهم بالله دون أن يعلنوا من الشرك ما أسروا، ثم أن يمتنعوا في شركهم ويتبروا، وفي هذا عليهم حجة لعذرهم(١) في الجهل بالنفاق قاطعة، بيِّنة مضيئة فيما قلنا به من أن النفاق فعلُ علانيةٍ لهم مما قالوا - إن أنصفوا - مانعة.
  والصنف الثاني منهم: الذين في قلوبهم مرض، وهو شكوك الإرتياب، فهم الذين كانوا يتولون كفَرَة أهل الكتاب، كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥١ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
(١) في المطبوع ونسخة: لعدوهم.