القتل والقتال
  يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ٥٢}[المائدة]، فجعلهم تبارك وتعالى بتولِّيهم لهم منهم، وأخبر بالعلة التي بها من مرض قلوبهم تولوهم عنهم، ولو كان معها غيرها لذَكَره، ولأبانه منهم علانية وشهَرَه، وإذا كانوا عند الله منهم لزمهم عنده تبارك وتعالى ما لزمهم، وكان حكم المؤمنين فيمن(١) تولاهم حكمَهم عليهم، وسيرتهم في الجهاد لهم سيرتهم فيهم.
  والصنف الثالث منهم: أهل إرجاف وعبث، وأذى للمؤمنين والمؤمنات ورفث، كانت تُرجف بمكذوب الأحاديث وتَرْهَج، ليس لها دين ولا ورع ولا تحرج، إِلا ولما كان لها في الإرجاف من الشغل به عنها، وبغيتها به لما أسخط الله منها كانت تكثر فيه وتجتمع عليه.
  وهذه الفرقة فبقيتها بعدُ بالمدينة كثيرة معروفة، وبكل ما وصفها الله به من الإرجاف والعبث والرفث فموصوفة، تشاهد به مشاهدها، وتعمر به مساجدها، والله المستعان.
  وكل هذه الفرق الثلاث جميعاً فقد أمر الله نبيه # بقتلهم إن لم ينتهوا معاً.
  وقال الله سبحانه فيما أمر به المؤمنين مِن قتال مَن قاتلهم وقَتْلِهم لهم بحيث ثقفوهم، وإخراجهم إياهم من حيث أخرجوهم: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ١٩٠ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ١٩١}[البقرة]، فأوجب عليهم قتالهم وقتلهم بما كان من قتال الظالمين لهم، ألا ترى كيف يقول سبحانه: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
(١) في نسختين: ومن.