القتل والقتال
  إرادته لله من المهارب، وما جعل الله في أرضه لمن هاجر في سبيله من المذاهب، التي فيها لمن ظلم وتعدى مساءةٌ وإرغام، ولمن أسلم نفسه إلى الله هدى وإسلام، كما قال الله سبحانه: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ١٠٠}[النساء].
  فكل ما ذكرنا من الجوار والمقاربة، والإكرام والتواد والمحابَّة، والنصر والولاء، والبر والإخاء فحكم الله جل ثناؤه في أوليائه، ثم حكم الله سبحانه بعدُ في أعدائه بخلاف ما حكم به للأولياء؛ تفريقاً بين مفترق الأشياء، كما قال ﷻ فيما نزل من الفرقان: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ٢٨}[ص]، وقال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ٣٥ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٦}[القلم]، وقال تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ١٨}[السجدة]، فلم يسوِ بينهم عند ذي علم في اسمٍ منه لهم ولا حكم، وكان حكمه تبارك وتعالى على أعدائه ما لا يجهله ذو علم، من لعنته وإخزائه، ومقته لهم وإقصائه، وما حكم به من هجرتهم على أوليائه، وما وكَّد على العباد من فرضه في مجانبة كل مجرم وبُغِضه، وما أوجب الله على الأبرار من الهجرة للظالمين في المحل والدَّار، وما ألزم الظالمين من الصَّغار والذل، وما حكم به على بعضهم في ظلمه من القتل، وعلى بعضهم من القطع والصلب، وعلى بعضهم من السجن وألوان النكال والضرب، وما أوجب الله على الظالمين من الخزي في الظلم، وما حكم به عليهم في ذلك من الحكم فما لا يعمى عنه من نوَّر الله قلبه في معرفة الحق بضياء، ولا يخفى على محجوج من الخلق فيما يخفى عليه من الأشياء، ولا يحق لمن جهله حقيقة الإيمان، ولا يتم لمن عطَّله مثوبة الإحسان، بل يحبط الله عمله بما جهل منه وعطَّله.