مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

القتل والقتال

صفحة 340 - الجزء 1

  وهداكم، واطلبوا النجاة والكرم بتقواه، فبِها كَرُمَ عنده ونجا مَن آتاه هداه، فلن يوجد البر والتقوى أبداً إلا في كريم، ولا الفجور والعصيان ما بقيت الدنيا إلا في لئيم.

  وفي الفريقين ما يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ١٤}⁣[الانفطار]، وفي المؤمنين الأتقياء الأبرار بعد الذي وصفهم الله به من التَّحابِّ والتَّبارِّ ما يقول الله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٧١}⁣[التوبة]، فجعل دار المؤمنين والأبرار خيرَ محلٍّ ومنزل ودار، جعلها سبحانه دارَ أمنٍ وإيمان، ظاهِراً فيها كل برٍّ وإحسان، يؤمر فيها بما يرضي الله سبحانه من التقوى والبر والمعروف، بغير ما تَقيَّة فيها للظالمين ولا رهبة ولا مراقبة ولا خوف، ويُنْهَى فيها عما يُسْخِط الله من المنكر والطغيان، وما لا يحبه الله من الفسوق والعدوان.

  فما بال من أبَرَّ وأطاع فلم يَعص وحلول دار كل ظالم متعدٍّ لصٍ، لا يؤمن ليله ولا نهاره، ولا تستتر عمَّن حالَّه أسرارُه في عصيان الله ومشاقته، ولا يخفى عنه ولا يتوارى، مجاوراً من سخط⁣(⁣١) الله فيها لما يراه قاهراً ظاهراً، لا ينكره منه بلسان ولا يدٍ، ولا يقوم لله فيه بدفاع ولا ردٍّ، ذليلاً بين أظهرهم وفي جورهم، محكِّماً لهم على نفسه في فجورهم، إن كذَّبهم في افترائهم على الله كُذِّب، وإن باينهم لمخالفة الله⁣(⁣٢) صُلب أو عُذِّب، غير ممتنع منهم بغلب ولا مُعازّة، ولا مهاجر عنهم إلى دار عزٍّ أو مفازة، من فلاة ولا جبل وعر، أو بعدٍ أو مهرب أو مستتر يستره عنهم ومنهم، ويفرق ما بينه وبينهم، مع ما وسَّع الله لمن صدقت


(١) في نسخة: لمن أسخط.

(٢) في (نخ): لمخالفتهم لله. وفي (ج): بمخالفة في الله.