[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  فيها، كما يقال: إذا ساروا إلى الأرض: إنهم لمتوالون إليها. وكما يقال للمُتَاصَفِين: إنهم أصفياء المودة والصفاء كذلك يقال: للمتوالين: أولياء في المقاربة والولاء، وقد قال الله تبارك وتعالى في أهل الكتاب من اليهود: إنهم أولياء لأهل الكفر والشرك والجحود، فاسمعوا لقول الله سبحانه لرسوله في بني إسرائيل، وما وقَّفَه عليه من ذلك في التنزيل: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ٨٠ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ٨١}[المائدة]، يقول سبحانه: لو كانوا يؤمنون بالنبي الذي كان فيهم، وبمن صار من أنبياء الله ورسله صلى الله عليهم إليهم - لما والوا الله عدواً مشاقاً، ولا أدخلوا عليهم إذ كانوا أعداءً للرب مرفقاً بمخالطة منهم لهم ولا معاملة، ولا بمجاورة لأحد منهم ولا محالَّة، وقد تعلمون أن من ذكره الله سبحانه في هذه الآية بالتولي للكفار من اليهود وإن كانوا قد نقضوا في أكثر الأمور ما بينهم وبين الله من العهود، فلم ينقضوا أنهم غير متولين للكفار في أديانهم، ولا راضين بعبادة ما كان الكافرون يعبدون من أوثانهم، ولا ما كانوا يشرعون في دينهم من الشرائع، ويفترون على الله فيه من الشنائع، في أكل الميتة والدم، وما كانوا يحلون من كل محرَّم، بل كانوا لهم في ذلك مخالفين، ولعملهم فيه من القالين، ولكنهم كانوا لهم موالين، وإن لم يكونوا لدينهم قابلين، وكانوا لهم على دينهم من العائبين، ولهم في أنفسهم من المعادين، ولكنهم كانوا أولياء لهم بالنصرة والموادة، وبما ذكرنا من الجوار والمعاملة والمقاعدة.
  أفلا ترون كيف جعلهم رب العالمين بموالاتهم لمن ظلم من الظالمين؟! فأثبت سبحانه عليهم في الحكم أنهم عنده كهُم في الظلم، وأنهم منهم بموالاتهم لهم، وإن كانوا بُرَأَئُ منهم في شرائع دينهم، وجاهلين بأكثر أقاويلهم، لا