مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 357 - الجزء 1

  يعملون⁣(⁣١) منها حرفاً، ولا من أوصافهم فيها وصفاً، فلذلك كان من الموالاة ما ذكرنا من القرب والمداناة، التي منها المجاورة والمحالة، كما منها الإخاء والمخالَّة.

  ومن قارب شيئاً ودنا إليه فهو غير شكٍ يليه، وكذلك في المحبة مَن والاكم فقد وآدكم وآخاكم. ومن ذلك حرم الله سبحانه المجاورة والمداناة إذا كانت بين أهلها مقارنة وموالاة، ففرض الله على نبيه صلى الله عليه وعلى المؤمنين الهجرةَ لدار مَن كفر به، ولم يَصِر إلى القبول عنه لما جا به من ربه، ولِمَن هاجر يومئذٍ من المؤمنين عن الدار، وما أمر الله بهجرته من الكفار، وقِبَلهم وفيهم، وعندهم ولديهم - الأموال والديار العامرة، والأبناء والأهلون والقرابة الناصرة، فألزمهم الله لذلك كله الهجرة، وأوجب عليهم لدينه ولأنفسهم النصرة، وأبقى الهجرة بعدهم لمن سلك قصدهم شريعةً ثابتةً قائمة، وفريضة للمؤمنين لازمة دائمة.

  ولم يجعل سبحانه للمؤمنين حقاً وحقيقة في الاسم وصدقاً، ولم يوجب مغفرة ورزقاً كريماً، ولم يجعل برحمته فوزاً عظيماً - إلا لمن هاجر لله وفيه، وخرج من بيته مهاجراً إليه.

  وفي ذلك ما يقول الله سبحانه في تنزيله، وما بيَّن به في الهجرة من تفصيله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ٧٤}⁣[الأنفال]، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ١٠٠}⁣[النساء]. فما استحقوا على الله سبحانه جزاه وإن آمنوا


(١) في (نخ): لا يعملون.