مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 359 - الجزء 1

  وكان قابلاً لحكمه وآدابه أن لا⁣(⁣١) يتخذوا من الفريقين ولياً ولا نصيراً، أو يستظهروا منهم عوناً أو ظهيراً، تعزيزاً منه سبحانه للمؤمنين بأمره، واكتفاء لهم من غيره بنصره.

  وفي ذلك ما يقول الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وعلى أهله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٦٤}⁣[الأنفال]، فجعل له سبحانه فيمن اتبعه وكان في طاعته معه كفاية وعزاً، ومنعةً وحرزاً، والحمد لله الذي لا يُذِل أولياءه، ولا يُعِزُّ أبداً أعداءه.

  وفي الهجرة وذكرها وما عظَّم الله من قدرها ما يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٢١٨}⁣[البقرة]، فكأنه لا يرجو رحمة الله إلا من هاجر لله وفي الله.

  ومن الهجرة وفيها ومن الدلائل عليها قولُ الله سبحانه: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ}⁣[الأحزاب: ٦]. فلم يوجب بينهم بالأرحام ولآء وإن كانوا إخوة وقرباء، بل وإن كانوا أمهات وآباء، إلا أن يهاجروا دار من كان لله عدواً، ولا يتبوأوا معه في محل متبوّأ.

  ومن ذلك وفيه ومن الدلائل عليه قولُ الله سبحانه لرسوله ÷: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ}⁣[الأحزاب: ٥٠]، فلم يحل له من بنات عمه وعماته وبنات خاله وخالاته إلا من هاجر معه ما هجر⁣(⁣٢)، وزال عن دار مَن كَفَر.

  مع التي ليس فيها إحالة، ولا بعدها لمؤمن ضلالة، من العلم بهلكة من لم يهاجر دار من أمره الله بمهاجرته، وأقام مجاوراً لمن منعه الله من مجاورته، ممن


(١) هكذا في المخطوطات، ولعل «لا» زائدة.

(٢) في (نخ): هاجر.