مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]

صفحة 358 - الجزء 1

  وجاهدوا حتى هاجروا في الله مَن عاداه، وزالوا من دار أهل مشاقَّته وعصيانه، وخرج كل مهاجر منهم عنهم هارباً إلى الله من أوطانه.

  فكيف يرجو النجاة عند الله والفوز برضوان الله من لم يهاجر إلى الله كما هاجروا، أو يُؤْوِ وينصر كما آووا ونصروا؟ لا كيف إن فَهِمَ عن الله أو عَقَل! أو عَلِم ما أوحى الله في ذلك ونزَّل!

  أما سمع قول رب العالمين إذ يقول سبحانه للمؤمنين: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ٨٨ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ٨٩}⁣[النساء]، ومن المنافقين يومئذٍ لبعضِ المؤمنين أبٌ وقريبٌ، وجارٌ وحبيبٌ، وعون وظهير، وولي ونصير، يوالي بعض المؤمنين في حربه ويناصره، ويعاونه على عدوه ويظاهره، فلما نزلت على المؤمنين يومئذٍ البراءة منهم، ونهوا عن المقاعدة لهم، وقطع الله الولاية بينهم وبينهم، وأمروا بالإعراض عنهم - افترقوا بالرأي فيما حكم به عليهم في المنافقين فرقتين، وصاروا كما قال الله تبارك وتعالى فيهم طائفتين، فطائفة تأسى على ما فاتها من نصرهم، وما كان يدخل عليها من المرافق بهم، في المداينة والإسلاف، والمجاورة والائتلاف. وطائفة عَرِيَّة عنهم، قد قطعت الآمال منهم، والتي أسِيَت من المؤمنين عليهم تمنى لهم الهدى، والطائفة الأخرى فإنما تراهم حرباً وأعداء، وكل المؤمنين وإن اختلفوا فيهم فقد قاموا بحكم الله في العداوة لهم عليهم، لا يعدلون بأمر الله لهم فيهم أمراً، ولا يتخذون منهم - كما قال الله ø - ولياً ولا نصيراً، فنهاهم الله سبحانه عنهم، وجعل من تولاهم منهم، ومنافقاً مثلهم بولايته لهم، ثم أمر سبحانه بقتل الفريقين؛ إذ كانوا جميعاً منافقين، ومنع سبحانه من آمن به وبكتابه