[تأكيد الله لأمر المهاجرة وتشديده لفريضته فيها]
  كلباً حماراً خنزيراً فيلاً في الباطن. فإن قلت ذلك لحقت بأصحاب سوفسطاء.
  فإن شئت تكلمنا فيه، على أنه قد ظهر من حمقهم لأهل العقول ما يُرَغِّبهم عن القول بمقالتهم.
  قال الملحد: وكيف يجوز أن يكون الإنسان إنسانا في الظاهر وكلبا حماراً خنزيراً فيلاً في الباطن؟ قال القاسم #: كما جاز أن تكون صورة التمرة والنخلة كامنة في النواة.
  قال الملحد: فإن بين التمرة والنخلة والنواة مشاكلة، وليس بين الإنسان والكلب مشاكلة.
  قال القاسم #: لو كان بين التمرة والنخلة والنواة مشاكلة مع اختلاف الصُّور لجاز أن يكون بين الإنسان والكلب مشاكلة.
  قال الملحد: فإن النواة إذا انتقلت من صورتها انتقلت إلى صورة النخلة.
  قال القاسم #: وكذلك الإنسان إذ تفرقت أجزاؤه جاز أن يكون كلبا في الطبع والقوة الهيلولية عندك، فمهما أتيت به من شيء تريد الفرق بينهما فهو لي عليك أو مثله.
  ووجه آخر، وهو: أن الصورة لو كانت في الأصل نفسِه لكان الأصل نفسُه هو التمرة، لأن التمرة إنما بانت من سائر المصورات وعرفت من غيرها بالصورة، فعلى هذا يجب أن يكون أصلها التمرة، وهذا مكابرة العقول؛ لأنه لو كان هذا هكذا لكان ظهورها في نواتها أقرب وأشهر وأعم، ولم يستحل وجود صورتين معا في حين واحد.
  قال الملحد: إن النواة هي تمرة بالقوة الهيلولية، أعني أنها إذا انتقلت لم تنتقل إلا إلى شجرتها، ثم إلى ثمرتها، ثم تعود إلى أصلها، ثم تصير نواة في وسطها.
  قال القاسم #: لو كان هذا هكذا لكانت الطبيعة التي هي الأصل تمرة بالقوة الهيولية إن كنت ممن يقول بالدهر، وإن كنت ثنويا فالنور والظلمة، وما