مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الدليل على أن حكم الأصول حكم الفروع]

صفحة 385 - الجزء 1

  أحدهما: يدرك ببديهته مثل تحسين الحسن وتقبيح القبيح، وحسن التفضل، وشكر المنعم، ومثل تقبيح كفر المنعم، والجور، وما يجانسه من علم بدائه العقول.

  والوجه الثاني: هو الاستنباط والاستدلال الذي هو نتيجة العقول⁣(⁣١)، كمعرفة الصانع، وعلم التعديل والتجوير، والعلم بحقائق الأشياء.

  وأما ما يعرف بالظن والحسبان فهو: القضاء على الشيء بغير دليل، فهذا ربما يصيب وربما يخطي، وإنما لخصت لك هذا كله ليكون عوناً لنا فيما تأخر من كلامنا، ويكون أحد⁣(⁣٢) المقدمات التي نرجع إليها، فكل شيء من هذه العلوم لا يصاب إلا من طريقه، ولو حاولته من غير طريقه لتعسر عليك، وكنت كمن طلب علم الألوان بالسمع، وعلم الذوق بالعين.

  فأما أحوال الأجسام فإن طريق المعرفة بها من جهة البصر، والبصر لا يؤدي إلى الإنسان إلا الأجسام؛ لأن الأجسام لا يجوز أن تخلو من هذه الصفات فيتوهمه ويمثله في نفسه خاليا منها، فإذا لم يجز ذلك ثبت أن الأجسام لا تخلو من هذه الصفات، وأنه لا يكون حكم أصولها إلا حكم فروعها.

  قال الملحد: إنهم يزعمون أن علة كون الأشياء وفسادها حركات الفلك وسير الكواكب، وبعضهم يقول: إن علتها تمازج الطبيعتين، أعني النور والظلمة، وبعضهم يقول غير ذلك.

  قال القاسم #: الدليلُ على فساد قولهم قولُ الله تبارك وتعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا]⁣(⁣٣)}⁣[الحج: ٥]، وقوله: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ٦٨}⁣[يس]،


(١) في (أ، ب): العقل.

(٢) في (أ): إحدى.

(٣) ما بين المعقوفين من (أ).