مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الحكمة في خلق العالم]

صفحة 390 - الجزء 1

  فكان قولنا فيه مستمرا؛ ولما لم يستمر القول في ذلك لم نقل به.

  قال الملحد: قد أبلغت في هذا، فنرجع إن شئت إلى مسألتي.

  قال: سل.

  قال: لِمَ خلق الله العالم؟

  قال القاسم #: قال الله سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}⁣[الملك: ٢]، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}⁣[الذاريات]، وقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}⁣[الجاثية: ١٣]، فأخبر أنه خلقنا للعبادة والابتلاء وليبلغ بنا إلى أرفع الدرجات وأعلى المراتب.

  قال الملحد: فما دعاه إلى خلقنا؟ أَلِحَاجةٍ خلق؟

  قال القاسم #: أما قولك: ما دعاه؟ فمحال؛ وذلك أنه لم يزل عالماً بلا سهو ولا غفلة، فقولك: ما دعاه؟ محال؛ لأن الدعاء والتنبيه والتذكير إنما يحتاج إليها الغافل فأما الذي لا يجوز أن يغفل فمحال أن يدعوه شيء إلى شيء؛ إذ لا غفلة هنالك ولا سهو. والدلالة على ذلك: أن الغفلة من الدلالة على الحدوث؛ وقد قامت الدلالة على أنه قديم.

  وأما قولك: ألحاجة خلق؟ فالحاجة أيضا من صفات المحدثين، والقديم يتعالى عنها.

  قال الملحد: فلِمَ خلق؟

  قال القاسم #: أما قولك: لم خلق؟ فقد أجبتك؛ لأن قولك: لِمَ؟ سؤال، وقولي: لأن إجابة.

  قال الملحد: فما وجه الحكمة في خلق العالم، وخلق الممتحنين؟

  قال القاسم #: وجه الحكمة في ذلك أنه إحسان أو داع إلى إحسان، وكل من أحسن أو دعا إلى إحسان فهو حكيم فيما نعرفه.