[الحكمة في خلق العالم]
  أمره الله به سبحانه؛ ولا انتهى عما نهاه(١) عنه، ولو كان انتهى عما نهاه عنه وركب ما أمره به لكان يؤديه ذلك إلى الفوز العظيم، فهو من قبل نفسه عطب؛ لا من قبل الله ø.
  ومثل ذلك فيما نعرفه: أن حكيما من حكمائنا لو أعطا عبيدا له دراهم وقال لهم: اتجروا، فإن ربحتم ولم تفسدوا فأنا معطيكم ما يكفيكم، وإن لم تفعلوا عاقبتكم؛ فأطاعه منهم قوم وعصاه آخرون - لم ترجع اللائمة عليه بعصيانهم إياه، ولكنها لاحقة بهم حين عصوه، ولم يخرج دعاء سيدهم إياهم وعطيتهم من الحكمة؛ إذ لم يدعهم به إلا إلى الإحسان، فلما كان ذلك كذلك كان الله حكيما بامتحانه وأمره ونهيه.
  قال الملحد: إن الله يعلم ما هم صائرون إليه، ونحن لا نعلم ذلك.
  قال القاسم #: إن الجهل والعلم لا يحسن الحسن ولا يقبح القبيح؛ وذلك أنه لو كان حسنا لأن الآمر به يعلم أنه يفعله لكان ذلك(٢) قبيحا إذا(٣) كان الآمر منا بما يصير إليه المأمور جاهلا، فلما(٤) لم يكن ذلك قبيحا لجهل الآمر منا لأنه إنما أمر بالحسن ودعا إلى الحسن وإن كان جاهلا بما يصير إليه المأمور، أو عالما(٥).
  وشيء آخر: وهو أنه لو كان الامتحان قبيحا إذا علم أنه يعصي لكان لا شيء أقبح من إعطاء العقل، لأنه إنما يعصي عند وجوده، ويستحق الذم والمدح به، فلما كان إعطاءُ العقل عند الأمم كلها موحدها وملحدها حسناً دل ذلك على أن
(١) في (أ): نهى.
(٢) في (أ): لكان قبيحاً.
(٣) في (أ): إذ.
(٤) في (أ): ولما.
(٥) هكذا في المخطوطات، وفي الكلام نقص؛ إذ لا جواب لـ (لما).