[الدليل على ثبوت البعث وكيفيته]
  قال القاسم #: أما الدلالة على ثباتها(١) فإني وجدت الله تبارك وتعالى حكيما قد امتحن خلقه وأمرهم ونهاهم، وكان قول من يقول بإزالة الامتحان داعيا إلى الإهمال، والإهمال داع إلى أن الله غير حكيم، وإذاً جاز أن يكون العالم قديما؛ لأنه لا فرق بين أن يفعل من ليس بحكيم هذا الصنع العجيب وبين أن يقع فعل لا من فاعل، والأشياء موجودة، فتكون قديمة أزلية لا فاعل لها.
  ووجدت هذا القول داعيا إلى التجاهل، فلما كان ذلك كذلك صح أن الله حكيم، والحكيم لا يهمل خلقه، وإذا لم يهمل خلقه لم يكن بد من أمر ونهي، ولم يكن بد من مؤتمر وغير مؤتمر، وكان من حكم العقل أن يفرق بين الولي والعدو، ووجدنا أولياءه وأعداءه مستوية الأحوال في الدنيا؛ لأنه كما أن في الأعداء من هو موسر صحيح ففيهم من هو معسر مريض، وكذلك الأولياء، فلما كانت في الدنيا أحوالهم مستوية ولم يكن بد من التفرقة بينهما صح أن داراً أخرى فيها يفرق بينهم، فيها يحيون وفيها ينشرون، إذ قد وُجِدَتْ هذه الحال قد اشتملت الكل(٢) الولي والعدو.
  وذلك قوله ø: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ٢٨}[ص].
  وأما قولك: أخبرني عن كيفيتها فإن الله ø جعل الروح لجسد الإنسان حياة له، كالأرض إذا اهتزت بالماء وتحركت بالنبات، كذلك الروح إذا صار في الإنسان صار حيا متحركا، إذا امتزج أحدهما بصاحبه.
  قال الملحد: وكيف يمتزج الروح بالبدن وقد صار ترابا؟
  قال القاسم #: وكيف يمتزج الماء بالأرض الهامدة إذا صارت قحلة يابسة؟
(١) في (أ، ب): حياتها.
(٢) في (أ، ب): بالكل.