مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[قول ماني والرد عليه]

صفحة 401 - الجزء 1

  يوجد بين ما ذكر من النور والظلمة فُرقة إلا وجدت الأشياء كلها بمثله لهما مفارقة، إلا أن الفرقة بين الأشياء أوجد، ومن الأشياء للنور والظلمة أوكد، مكابرة لعقول أطفال الأنام، وتجاهلاً بما لا تجهله بهيمة الأنعام.

  ثم قال تحكماً وافترى زعماً: إن الأشياء كلها من النور والظلمة مزاج، وإنه لم يكن بينهما فيما خلا من دهرهما امتزاج، سفهاً من القول وتعبثاً، ومجانةً في السفه وخبثاً، فثبت بينهما شبه الاستواء، وحكم عليهما حُكمَ السواء في حالين يجمعانهما عنده معاً، وفعالين يتساويان فيهما جميعاً، فقال في أُولاهما: لم يمتزجا، ثم قال في أُخراهما: امتزجا، فجمعهما عنده في الامتزاج وخلافه الحالان، واشتراكهما فيما كان من إساءة أو إحسان، وليس في أنهما هما الأصلان دليلٌ واضح به يثبتان أكثر من تحكُّم العماة في الدعوى، والاعتساف منهم فيهما للعشوى، ماذا يرون قولهم لو عارضهم مبطل في الدعوى كَهُم، فقال: بل النور والظلمة مزاجان، ومن ورائهما فلهما أصلان، هل يوجد من ذلك لهم إلا ما يوجد لمن خالفهم؟!

  فإن قالوا: الدليل على ذلك نفع النور، فربما ضر بالنور في أكثر حوادث⁣(⁣١) الأمور، ولما يوجد من نفع قليل غيره أنفع مما يوجد من أكثر كثيره، لَتمرةٌ أنفعُ في الغذاء لأكلها من الأنوار كلها⁣(⁣٢)، ولئن كانت الدلالة من الدال على المنكر ضراً يعود عندهم شراً إن النور لأدل على طلبات الأشرار، وأكشف لهم عن خفيات ما يبغون من الأسرار التي عنها تجلى لهم نورهم، وبها كثرت في الضر شرورهم.

  وإن كان دليل عماة الظلمة على ما ثبتوه أصلاً من الظلمة ضر الظلمة في بعض أمورها لربما منعت كثيراً من الشرور بستورها، فلم يجد - لمنعها بسواتر


(١) في (أ): في أكثر موجودات الأمور.

(٢) في (ب): لتمرة في الغذاء لأكلها أنفع من الأنوار كلها.