[قول ماني والرد عليه]
  ظلامها - الأئمةُ سبيلاً إلى تناول آثامها، ولسنا نجد عياناً نورهم من المضآر معرَّى، ولا ظلامَهم في جميع الأحوال مضراً، إلا أن يكون نورهم عندهم غير النور المعقول، فيصيروا بعد إثبات أصلين إلى إثبات(١) أصول، ويحكموا على غائب لا يُرى بحكم لا يُتيقن ولا يمترى، يتبين به عند أنفسهم قَصرة(٢) عماهم، ويصح لهم بَلْهَ غيرهم فيه خطاهم.
  ثم يقال لهم أيضاً: حدثونا عن نور الشمس، وما يباشر أبصار المبصرين منه عند شروقه باللمس، أليس نافعاً في نفسه وعند مباشرة لمسه؟
  فإن قالوا: بلى، وكلما تلألأ؛ لأنه يتلألأ فيشرق وينير، وكذا لا مرية كل نور إما قليل وإما كثير.
  قيل: فما باله يُعشي أبصار الناظرين ويؤذيها؟ وما بال بعض الحيوان لا يبصر مع ضوء الشمس وتلاليها؟
  فإن قالوا: لعلة أنَّ النُّورَ إذا أشرق على ناظر الإنسان وغيره مما يبصر مع ضوء الشمس من الحيوان رَدَّ مع شروقه ما في النواظر من الظلمة إلى الناظر، فلم ير فيه، ولم يطق النظر إليه.
  قيل: فالظلمة في قولهم تستر، فكيف مع مكانها في الناظر يبصر، وقد ترى الأبصار إذا أشرقت الأنوار تبصر حينئذٍ الأشياء، وترى الظلمة والضياء، فلو كانت الظلمة لها سُترة لما أبصرت ما ترونها له مبصرة.
  فإن قالوا: الحرارة هي التي فعلت ذلك بالأبصار؛ لأن النور من شأنه دفعها إلى ما هي فيه من محجر القرار.
  قيل: فالحرارة عندكم يا هؤلاء من شأنها الإحراق، وقد نرى الناظر يديم النظر إلى شروق الشمس فلا يحرق ناظره الإشراق. وقد يزعمون أن الحرارة في
(١) في (أ، ب): تثبيت.
(٢) في (أ): قصرةً منونة بالفتح.